جمعية آدم لسرطان الطفـولة

Adam Childhood Cancer Society

حول سرطان الطفولة حول أنواع الأورام معالجات السرطان العناية الداعمة الرئيسية

 


 

مقـدمـة

 

       يُطلق وصف أورام الدماغ على أي نمو شاذ بأي خلايا و أنسجة تتواجد ضمن الجمجمة، سواء أكانت أوراما حميدة لا تحتوي على خلايا متسرطنة أم أوراما خبيثة تتكون من خلايا سرطانية، و بخلاف الأورام الناشئة بالمواضع الأخرى من الجسم، حيث من المهم جدا التمييز بين الأورام الحميدة و الخبيثة، تُعد الأورام الحميدة بالدماغ خطرة بنفس الدرجة تقريبا كالأورام السرطانية، حيث أنها قادرة على التسبب بإعاقات بدنية و قد تكون مميتة أحيانا عند نموها و تضخم كتلتها و ضغطها على الأنسجة المجاورة لموضع نشوئها بالدماغ، رغم أنها غير قادرة على الانتقال من مواضعها كما تفعل الأورام الخبيثة، التي يمكن لأغلب أنواعها بالمقابل الانتقال خلال أنسجة الدماغ، و إن كان القليل منها قادر على الانتقال و الانتشار إلى مواضع أخرى بالجسم.

    و ثمة العـديد من الأورام التي تنشأ بالجهاز العـصبي المركزي ( central nervous system CNS ) الذي يشمل الدمـاغ و الحبل الشوكي، و تنجم عن تسرطن أنواع متباينة من الخلايا و تتمركز بمواضع مختلفة، و ينفرد كل منها بخواص معينة و تأثيرات بدنية تشير إلى نوعه و موضعه على وجه الخصوص، كما أن لكل منها مؤشرات و دلائل مرضية يمكن التكهن من خلالها بالمردود العلاجي، كما تختلف بطبيعة الحال الخطط العلاجية من نوع لآخر.

      و تُعد أورام الجهاز العصبي المركزي و خصوصا بالدماغ بالمرتبة الثانية ضمن الأورام الصلبة الشائعة بين الأطفال،  ( حيث تأتي أنواع اللوكيميا بالمرتبة الأولى )، و تمثل نسبة تقترب من 20 % من مجمل حالات سرطان الطفولة، و تظهر في اغلب الأحوال بالفئة العمرية ما بين السنة الثالثة إلى الثانية عشر، بينما تظهر لدى الكبار غالبا بالفترات ما بين العقدين الثالث و الخامس من العمر، و من جهة أخرى تنشأ معظم أورام الدماغ لدى الأطفال بمنطقة المخيخ و جذع الدماغ، بينما تنشأ مثيلتها عند البالغين بمواضع أخرى غالبا بمنطقة المخ، و تُعد أورام الحبل الشوكي أقل شيوعا بدرجة كبيرة و أكثر ندرة من الأورام الدماغية، سواء عند الأطفال أو البالغين.


 

 

 

 

الجـهاز العـصبي المركزي

      يتركب الجهاز العصبي المركزي من الدماغ و الحبل ( النخاع ) الشوكي، و يتحكم الدماغ كما هو معروف بجميع الوظائف الحيوية الإرادية و غير الإرادية بالجسم، بما في ذلك الحواس المختلفة و الذاكرة و التفكير و الحركة، كما يتحكم بوظائف مختلف الأعضاء الأخرى بالجسم، و يتواجد الدماغ ضمن الجمجمة التي تقوم بحمايته، بينما تقوم عظام العمـود الفقـري ( vertebral column ) بحماية الحبل الشوكي، و يحيط السائل المُخّي الشوكي ( cerebrospinal fluid ) بكل من الدماغ و الحبل الشوكي مما يؤمن لهما حماية اضافية، و يتواجد بفراغات حولهما و بتجاويف داخل الدماغ تُعرف بالبطينات المخية ( ventricles )، و هو سـائل دماغي صافي يشبه الماء و يحتوي على بروتينـات و جلوكوز و يوريا و بعض الأمـلاح، و يتم إنتاجه بالضـفائر المشيمية بالدمـاغ ( choroid plexus )، و من جهة أخرى يقوم الحبل الشوكي و شبكة عصبية خاصة تُعرف بالأعصاب القحفية ( cranial nerves ) بنقل الرسائل العصبية ما بين الدماغ و باقي أعضاء الجسم.

و يمكن تقسيم الدماغ إلى أربعة أجزاء رئيسية تشمل :

     المـخ ( cerebrum ) و الدماغ البيني ( diencephalon )، و المخيخ ( cerebellum )، و جذع الدماغ ( brain stem )، و يختص كل منها بإدارة وظـائف محددة بالجسم، و بطبيعة الحال تتعطل هذه الوظـائف و تختل عند نشـوء ورم بالموضع المختص و تظهر أعراض محددة تشير إلى إصابة ذلك الموضع بعينه، من جهة أخرى تختلف الأعراض الظاهرة باختلاف نوع الورم، كما انه من المعتاد ظهور نفس الأعراض عند إصابة أجزاء الدمـاغ بأمراض و علل أخرى، مما قد لا يعني بالضرورة وجود نشـوء ورمي، و يجدر بالذكر أن الأعراض الظاهرة قد لا تعكس بالتحديد موضع الورم عند الأطفال بسن تقل عن الثالثة.

 

 

 

 

المـخ

    يُعد المخ اكبر أجزاء الدماغ و يقع في جزئه العلوي، و يتكون من نصفي كرة المخ ( cerebral hemispheres )، اللذين يتحدان بشريط عريض و يتكونان من القشرة، و هي ذات مادة رمادية تحتوي على الخلايا العصبية، و من طبقة أكثر عمقا تسمى المادة البيضاء، و تقسم الطيات الكبرى بالقشرة كلا من نصفي كرة المـخ إلى أربعة فصوص، الفـص القفـوي بمؤخرة الجمجمة، و الفص الأمامي على جبهتها، و الفص الصدغي على الصدغ، و الفص الجداري بالأعلى، و تتحكم نصفا كرة المخ في العديد من الوظائف الحيوية، مثل التفكير و الإدراك و العواطف و الكلام، و ترجمة الإحساسات المختلفة كالسمع و البصر و اللمس أو الشعور بالألم، إضافة إلى حركة العضلات الإرادية، و لكل من هذه الوظائف موقع محدد بالقشرة، فمثلا يقع مركز البصر بالفص القفوي و مركز السمع بالفص الصدغي.

      و يعتمد نوع الأعراض الناجمة عن وجود ورم بالمخ على موضعه ضمن نصفي كرة المخ، و تشمل الأعراض المعتادة حدوث نوبات صرعية، و صعوبات بالنطق، و تغيرات متطرفة بالمزاج، و تقلبات بالشخصية، و نشوء ضعف أو شلل بأحد جانبي الجسم، و تغيرات بالرؤية أو السمع أو الحس، إضافة إلى نشوء اختلاجات حركية مختلفة تشبه الرقص ( chorea )، و نشوء ظاهرة الكنع ( athetosis ) بوجود تحركات تمعجية مستمرة باليدين و القدمين.

 

 

الدماغ البيني ( diencephalon )

     تتضمن بنية الدماغ البيني منطقة المهاد ( thalamus ) و منطقة ما تحت المهاد أو الوِطاء ( hypothalamus )، حيث يرتبط المهاد بالإحساس و يتحكم في الحركة البدنية، و يعتبر كمحطة للإشارات الحسية التي تصل إلى قشرة المخ و يعمل كمركز لتفسير بعض منها، مثل الألم و الشعور بالحرارة و الضغط و اللمس، بينما يرتبط الوطاء بالوظائف غير الإرادية، مثل تنظيم حرارة الجسم و توازن السـوائل و الشعور بالعطـش أو الجـوع، كما يتحـكم بإفـراز هرمـونات الغـدة النخامية ( pituitary gland ).

أجزاء الدماغ

 

المخيـخ

      يتحكم المخيخ في التناسق و التوازن الحركي و تناسق حركة العضلات الإرادية، و من المعتاد أن تسبب الأورام الناشئة بالمخيخ صعوبات في ضبط التوازن الحركي، و الترنح و فقد الدقة في توجيه حركة اليدين و القدمين، إضافة إلى تغيرات بنمط التحدث، و الصداع و التقيؤ.

جذع الدماغ ( brain stem )

       و يتكون من ثلاثة أقسام تشمل النخاع المستطيل أو البصلة ( Medulla oblongata ) و الجسر ( Pons ) و الدماغ المتوسط ( Midbrain  )، و يحتوي على حزم من الألياف العصبية، التي تقوم بنقل الإشارات المتحكمة في حركة العضلات و الحس أو الشعور، كما أن معظم الأعصاب القحفـية تبدأ من جذع الدمـاغ، و ثمة مراكز خاصة مختلفة بهذا الجزء الحساس تتحكم بالتنفس و نبض القلب و عمليات البلع و التقيؤ و السعال.

    و تتسبب الأورام الناشئة بجذع الدماغ في ظهور العديد من الأعراض، مثل التصلب العضلي، و الشلل النصفي بالوجه أو بالجسم، و نشوء إعاقات بالحس أو بالسمع و صعوبات بالتنفس و البلع، و ظهور تغيرات بنشاط الغدد الصماء، كما يُعد ازدواج الرؤية و الترنح أثناء المشي احد الأعراض المبكرة جدا لأورام جذع الدماغ.

 

 

 

 

الحبل الشوكي ( Spinal cord )

     أو النخاع الشوكي و يتواجد داخل النفق الفقري الذي يتكون من الثغرات الفقرية بفقرات العمود الفقري، و يبدأ كامتداد للنخاع المستطيل بجذع الدماغ، و يحتوي بدوره على حزم من الألياف العصبية الطويلة التي تحمل الإشارات العصبية المختلفة المتحكمة في العديد من الوظائف، مثل حركة العضلات و الإحساس أو الشعور، أو حركة المثانة و الأمعاء، و ثمة العديد من الأعراض التي تظهر عند نشوء الأورام بالحبل الشوكي، مثل الشلل أو الخدر و الضعف، و من المعتاد أن تظهر الأعراض بجانبي الجسم، مثل الخدر بالقدمين معا، نظرا لتكوين الحبل الشوكي الدقيق و الممتد لمسافة طويلة، و لعل ذلك من أهم ما يميز أورام الحبل الشوكي عن أورام الدماغ، التي من المعتاد أن تؤثر على جانب واحد من الجسم، كما أن اغلب أورام الحبل الشوكي تنشأ بمواضع أسفل الرقبة و عقب تفرع الأعصاب المتصلة بالذراعين من الحبل الشوكي، و لذلك تظهر في اغلب الأحوال أعراض تتعلق بوظائف القدمين أو بالمثانة أو الأمعاء.

تشريح الدماغ

 

      و من جهة أخرى، قد تنشأ أورام مختلفة بالأعصاب القحفية أو الأعصاب الطرفية، مثل أورام العصب البصري و التي تُعد من أكثرها شيوعا بين الأطفال، و أورام العصب السمعي ( acoustic nerve ) و التي تؤدي إلى فقـدان السمع بإحدى الأذنين أو كلتيهما، و أورام العصب الوجـهي ( facial nerve ) و التي تؤدي إلى الشلل الوجهي، أو نشوء أورام العـصب التؤامي الثـلاثي
(
trigeminal nerve )، و التي قد تؤدي إلى ظهور الآم حادة بالوجه، بينما تسبب الأورام الناشئة بالأعصاب الطرفية أعراضا تشمل الألم و فقد الحس و ضعف العضلات بالمواضع المرتبطة بهذه الأعصاب.

 


 

 

 

 

أنواع خلايا و أنسجة الدماغ و الحبل الشوكي

 

الخلايا العـصبية أو العَـصَبات ( Neurons )

      تُعد العَصَبات، و تسمى أيضا بالعصبونات، من أهم أنواع الخلايا بالدماغ و المكون الرئيسي للجهاز العصبي، و تحدد الإشارات الكهربية التي تحملها العَصَبات، و تقوم بإرسالها عبر الألياف العصبية، جميع نشاطات الدماغ و الحبل الشوكي، مثل التفكير و الذاكرة و العواطف و النطق و حركة العضلات، و من المعروف أن العَصَبات تتوقف عن الانقسام و بالتالي التكاثر خلال السنة الأولى عقب الولادة ( مع القليل من الاستثناءات )، و ذلك بخلاف العديد من أنواع الخلايا التي يمكنها أن تنمو و تتكاثر بشكل متواصل، و ذلك لتجديد الأنسجة و إصلاحها عند تضررها بالأمراض أو الجروح أو بغيرها.

الخلايا الدبقية ( Glial cells )

      و تُعد الخلايا الداعمة للدماغ و ثمة ثلاثة أنواع من الخلايا الدبقية المكونة للدبق العصبي ( Neuroglia ) :

            الخلايا النجمية ( astrocytes )، و الخـلايا قليلة التفـرع أو التغصن ( oligodendrocytes )، و خـلايا البطانة العصبية ( ependymal cells )، و هي تنمو و تنقسم ببطء شديد، و تستمر في التزايد العددي حتى بلوغ الطفل سن الخامسة فحسب، حيث يصل الدماغ عندها إلى حجمه الأقصى و يبقى كذلك مدى الحياة، و يجدر بالذكر أن معظم أورام الدماغ و الحبل الشوكي تنشأ عن تسرطن الخلايا الدبقية.

و تساعد الخلايا النجمية في دعم و إمداد العَصَبات، حيث تربطها بالأوعية الدموية و تلتف حولها لتشكل شبكة داعمة، كما تساعد في تكوين الحاجز الدموي الدماغي، و تقوم بعمليات الرتق لأنسجة الدماغ عند حدوث الجروح أو الإصابات مما يساعد على التئامها، بينما تنتج الخلايا الدبقية قليلة التفرع مادة النخاعين ( myelin ) التي تحيط و تعزل الألياف العصبية بالدماغ و الحبل الشوكي، و بذلك تساعد العَصَبات في نقل الإشارات الكهربية عبرها، أما خلايا البطانة فتتواجد بالجزء الداخلي للبطينات المخية بمركز الدماغ و القناة المركزية للحبل الشوكي، حيث تقوم بتبطينها بطبقة واحدة، و من هنا تعتبر جزءا من مسرى السائل المخي الشوكي.

الخلايا الدبقية الصغيرة ( microglia )

      و تُعد الخلايا المناعية بالجهاز العصبي المركزي و ليست تماما خلايا دبقية في الأصل، و هي تقوم بابتلاع الجراثيم و الكائنات الغريبة، و يبلغ تعدادها حوالي 20 % من مجمل الخلايا الدبقية بالدماغ.

 

 

 

 

أغشية السحايا ( meninges )

     و هي أنسجة خاصة تبطن الفراغات المحيطة بالدماغ و الحبل الشوكي و المملوءة بالسائل المُخّي الشوكي، و ثمة نوعان من الأغشية السحائية :

   السحايا الرقيقـة ( leptomeninges ) أو العنكـبوتية الحنـون
(
pia-arachnoid ) و هي أغشية رقيقة تضم السائل المُخّي الشوكي مباشرة، و السحايا الغليظة ( pachymeninges ) أو الأم الجافية ( dura ) و هي أكثر صلابة و تحيط بالسحايا الرقيقة.

أغشية السحايا

خلايا شفان ( Schwann cells )

      و تقوم بإنتاج النخاعين ( myelin ) الذي يحيط و يعزل ألياف الأعصاب القحفية و غيرها من الأعصاب بالجسم، و دورها أساسي في تكوين الغمد النخاعيني لمحور الألياف العصبية.

الضفيرة المشيمية ( Choroid plexus  )

    و هي عبارة عن شبكات من الشعيرات الدموية و خلايا البطانة العصبية تتمركز ضمن البطينات المخية و تقوم بإفراز السائل المخُيّ الشوكي.

  

 

 

 

الغـدّة النخـامية ( Pituitary gland )

      و تقع عند مركز الدماغ تقريبا، و تُعد من أهم الغدد الصماء بالجسم و تسمى أيضا بالغدة السيدة ( Master gland ) حيث تقوم بتنظيم العديد من النشاطات الحيوية للغدد الأخرى بإفرازها للعديد من الهرمونات، مثل هرمون النمو الذي يحفز و يتحكم في النمو البدني، و هرمون البرولاكتين الذي يتحكم في إفراز اللبن بالثدي، و الهرمونات المنبهه لإفراز هرمونات الغدة الدرقية و الغدة الكظرية، أو المحفزة لإفراز الهرمونات الجنسية.

الـوِطاء  ( hypothalamus )

      يُعد الـوِطاء جزءا من الدماغ الأوسط و يتواجد قرب الغدة النخامية، و يعتبر من أهم أجزاء الجهاز العصبي، حيث يقوم بدور رئيسي في العديد من الوظائف العصبية و الحيوية، من أهمها التحكم في تنسيق الجهاز العـصبي الذاتي و النشاطات غير الإرادية، مثل تنظيم سرعة القلب و حركة الطعام بالقناة الهضمية و تقلصات المثانة البولية و تنظيم حرارة الجسم، كما يعمل كمنظم و مؤقت للعديد من النظم الحيوية الدورية، و يعتبر الوسيط بين الجهاز العصبي و منظومة الغدد الصماء بتحفيزه للغدة النخامية و توجيهه لعملها بإفرازه للهـرمونات المنظمة التي تحثها على إفراز هرموناتها أو تثبطها عن ذلك، كما ينتج الوِطـاء هرموني الاوكسـيتوسين ( Oxytocin ) الذي يعمل على انقباض العـضلات الملساء بالرحـم عند الولادة و انبجاس اللبن خارج الثـدي، و الهرمون الكابح للتبول ( Antidiuretic hormon ) الذي يقلل من كميات البول المتكون بالكِلى.

الغـدة الصنوبرية ( Pineal gland )

      و هي من الغدد الصماء و تتواجد بين نصفي كرة المخ، و تقوم بإفراز هرمون الميلاتونين ( melatonin ) الذي يتفاعل مع تغيرات الضوء و يعمل على تنظيم و توقيت العمليات الحيوية الدورية بالجسم.

الحـائل الدمـوي الدمـاغي ( Blood-brain barrier  )

      بخلاف أغلب الأعضاء الأخرى بالجسم، ثمة حاجز بين الدم و بين أنسجة الجهاز العصبي المركزي يتشكل من مكونات الضفائر المشيمية، و يسمح لمواد محددة بالدخول إلى السائل المُخّي، و بذلك يحمي الدماغ و الحبل الشوكي من المواد المضرة، كما أنه يمنع العديد من الأدوية من النفاذ مباشرة إلى الدماغ و الحبل الشوكي بما في ذلك البعض من أدوية معالجة الأورام.

 


 

 

 

أنواع أورام الدمـاغ و الحبل الشـوكي

 

      يمكن أن تنشا الأورام بأي نوع من الخلايا أو الأنسجة المكونة للدماغ أو الحبل الشوكي، كما قد ينجم بعض منها عن تسرطن خليط من الخلايا الدماغية، و ينبغي بطبيعة الحال التمييز بين الأورام الناشئة بالدماغ أساسا و بين الأورام الثانوية المنتقلة إليه من مواضع أخرى، و التي تتم معالجتها بخطط مختلفة، و تُعد مثل هذه الأورام الثانوية المنتقلة إلى الدماغ اقل شيوعا لدى الأطفال من أورام الدماغ الأصلية، و من جهة أخرى من النادر أن تنتقل أورام الدماغ الأصلية إلى مواضع أو أعضاء بعيدة عن موضع النشأة.

الأورام الدبقية ( Gliomas )

      أو الدبقومات، و تُعد الأكثر شيوعا ضمن أورام الجهاز العصبي لدى الأطفال، و هي تشمل العديد من الأورام الدماغية التي تنشأ عن تسرطن الخلايا الدبقية بانواعها المختلفة، و يتم تصنيفها حسب موضعها و نوع الخلايا المتسرطنة، و تشمل بصفة عامة أنواع الأورام التالية :

أورام الخلايا النجمية ( astrocytomas )

      أو الأورام النجمية و تنشأ عن تسرطن الخلايا النجمية و تشكل حوالي 50 % من مجمل أورام الدماغ لدى الأطفال، و يمكن تقسيمها إلى نوعين، يُعرف النوع الأول بالأورام المرتشحة أو المنبثة ( infiltrating astrocytomas )، و تتصف باتساع رقعة انتشار الورم عبر أنسجة الدماغ السليمة عند التشخيص، الأمر الذي يصعب من معالجتها، و يمكن أن تنتقل مثل هذه الأورام لدى بعض الحالات على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي، غير أنها في اغلب الأحوال لا تنتقل إلى ابعد من ذلك خارج الدماغ أو الحبل الشوكي فيما عدا حالات نادرة.

و من المعتاد تصنيف الأورام النجمية المرتشحة حسب مظهرها المجهري إلى ثلاثة درجات، أورام بالدرجة الدنيا ( low grade )، و بالدرجة المعتدلة ( intermediate grade ) و بالدرجة العليا ( high grade )، حيث تنمو أورام الدرجة الدنـيا بوتيرة بطيئة بينما تنمو أورام الدرجة المعتدلة بوتيرة وسطية، و تُعـد الأورام بالدرجة العـليا الأسرع نموا، و من أهمـها أورام الأوليّـات الدبقيـة
(
glioblastomas ).

      و النوع الآخر و يُعرف بالأورام النجمية غير المرتشحة ( noninfiltrating astrocytomas )، و يُعد ذو مؤشرات مرضية واعدة، و يشمل الأورام النجمية الشعرية اليافعة ( juvenile pilocytic astrocytomas ) و التي تنشأ غالبا بالمخيخ و يمكن أن تنشأ بالعصب البصري و بالوطاء أو بمواضع أخرى بالدماغ، و الأورام النجمية ضخمة الخلايا لما تحت البطانة ( subependymal giant cell astrocytomas ) التي تنشأ بالبطـينات المخّية، و ترتبط في اغلب الأحـوال بوجود حالة التصـلب الـدرني الموروث
(
tuberous sclerosis ) لدى المريض و التي من المعتاد أن تسبب الصرع و التخلف العقلي.

      و بالمقابل ثمة أنواع أخرى ذات المؤشرات المرضية الواعدة أيضا، و التي على الرغم من تماثل مظهرها المجهري مع الخلايا السرطانية غير أنها أورام حميدة نسبيا، و قد تنشأ عن تسرطن خلوي ذو اصل مختلط ما بين الخلايا الدبقية و الخلايا العصبية، و تظهر بشكل شائع لدى الأطفال و اليافعين و نادرة الظهور لدى الكبار، و من هذه الأنواع :
الأورام النجمية المصفرة متعددة التشكل (
Pleomorphic xanthoastrocytoma PXA ) و أورام الظهارة العصبية ذات التشوه الجنيني ( Dysembryoplastic neuroepithelial tumor DNET )، و التي من المعتاد معالجتها بالعمل الجراحي فحسب في اغلب الأحوال.

  

 

 

 

أورام الخلايا الدبقية قليلة التغـصن ( oligodendroglioma )

      و تنشأ عن تسرطن الخلايا الدبقية قليلة التغصن ( oligodendrocytes )، و يمكنها أن ترتشح أو تنتقل بنمط يتماثل مع الأورام النجمية و يتعذر استئصالها جراحيا بالكامل في اغلب الأحوال، رغم أن الإحصاءات الطبية تفيد عن وجود حالات حققت سنوات شفاء طويلة الأمد تصل إلى 40 سنة دون عودة الورم عقب المعالجات، كما قد تنتقل هذه الأورام على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي، غير أنها بالمقابل نادرا ما تنتقل إلى مواضع خارج منطقة الدماغ أو الحبل الشوكي.

أورام البطـانة العـصبية ( Ependymoma )

      و تنشأ عن تسرطن خلايا البطانة العصبية ( ependymal cells ) بالبطينات المخية، و تكمن اكبر مخاطرها في نشوء الاستسقاء الدماغي ( hydrocephalus ) حيث تقوم هذه الأورام بسد مخارج السائل المُخّي الشوكي من البطينات مما يتسبب في تضخمها بشكل كبير، و على خلاف الأورام النجمية و الأورام الدبقية قليلة التغصن من النادر أن ترتشح أو تنتقل أورام البطانة عبر أنسجة الدماغ المجاورة، الأمر الذي يسمح بالاستئصال الجراحي و تحقيق الشفاء في أغلب الأحوال، و خصوصا عند تموضع الورم بمنطقة الحبل الشوكي، و بطبيعة الحال يمكن أن تنتقل هذه الأورام على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي، غير أنها لا تنتقل إلى مواضع خارج منطقة الدماغ أو الحبل الشوكي.

و تمثل أورام البطانة العصبية حوالي 10 % من مجمل أورام الدماغ لدى الأطفـال و تظهر غالبا بالفئة العمرية ما دون العاشرة، و تُعد بطيئة النمو مقارنة بالأورام الدماغية الأخرى، و تشير الدراسات الطبية إلى ارتفاع نسبة الخطر من عودة هذه الأورام عقب انتهاء المعالجات الأولية، و من الملاحظ أن الورم العائد يكون أكثر عدوانية و مقاومة للعلاجات.

الأورام الدبقية بجـذع الدمـاغ ( Brain stem gliomas )

      و هي أورام تتأصل بجذع الدماغ، و ينحصر ظهورها بشكل كلي تقريبا لدى الأطفال دون البالغين خصوصا بالفئة العمرية بين الخامسة و السابعة، و من المعتاد أن تنشأ أعراض مختلفة تشمل تشوش و ازدواج الرؤية أو مصاعب حركية بالوجه أو بأحد جانبي الجسم أو بالمشي و التوازن أو التناسق الحركي، بينما من غير المعتاد أن يزداد الضغط داخل الجمجمة، و من المتعذر إزالة معظمها جراحيا نظرا لموقعها الحساس و غير المتاح للعمل الجراحي إضافة إلى حساسية الوظائف المتعددة و المعقدة التي يتحكم بها هذا الجزء من الدماغ.

الأورام الدبقية بالعـصب البصري ( Optic nerve gliomas  )

        و تسمى أيضا بأورام المسرى البصري، و تتموضع هذه الأورام بالعـصب البصري على امتداده أو بمواضع من حوله، و ترتبط غالبا بوجود النوع الأول من علة الأورام الليفية العصبية (  Neurofibromatosis - type 1 ) لدى المريض، و التي تُعرف أيضا بعلة ريكلينقهاوزن ( Recklinghausen’s disease  )، ( و هي علة وراثية من خواصها نشوء أورام ليفية بالأعصاب الطرفية، و ظهور بقع بنية على البشرة و تشوهات بالأنسجة تحت الجلد و بالعظام، و من المعتاد أن تتسبب هذه العلة في نشوء أورام عصبية متعددة )، و تظهر لدى حالات أورام المسرى البصري أعراض تشمل فقدان الرؤية و اختلال الإفراز الهرموني، و رغم أنها لا تُعد مميتة في اغلب الأحوال غير أنها قد تؤدي إلى فقدان البصر كليا، و من جهة أخرى تتم معالجتها بنجاح بالعمل الجراحي منفردا لدى العديد من الحالات، و قد يتم الاستعانة بمعالجات الأورام الأخرى في بعض الأحيان من علاج كيماوي و إشعاعي.

 

 

 

 

أورام العَصَبات ( Tumors of neurons )

      من أهم ما يميز الأورام لدى الأطفال عنها لدى البالغين، أنها تنشأ عن تسرطن خلايا المنشأ الأولية ( primitive stem cells ) التي تتطور و تتمايز إلى خلايا بالغة متخصصة، و بنفس النسق تنشأ أورام الخلايا العصبية أو العَصَبات، و التي يمكن تصنيفها بشكل عام ضمن أورام الأدمة الظاهرة العصبية الأولية ( Primitive neuroectodermal tumors PNET )، و التي تُعد أورام الأوليات النخاعية ( Medulloblastomas  ) من أهم أنواعها، حيث تمثل نسبة تقترب من 15 % من أورام الدماغ لدى الأطفال، و من المعتقد أنها تنشأ عن تسرطن خلايا المنشأ الأولية بالمخيخ و التي لها قابلية التطور لتتحول إما إلى عصبات أو إلى خلايا دبقية، و تُعد هذه الأورام الأكثر سرعة في النمو غير أنها بالمقابل ذات معدلات عالية في الاستجابة للمعالجات القياسية إذ يمكن شفاء أكثر من 50 % من الحالات بالعمل الجراحي و أحيانا باستخدام المعالجات الإشعاعية أو بإضافة القليل من العلاج الكيماوي.

     و من جهة أخرى تسمى أورام الأدمة الظاهرة العصبية الأولية بأورام أوليات الصنوبرية ( pineoblastomas ) حين تتموضع بالغدة الصنوبرية ( و هي الغدة التي تتحكم بدورات النوم و الاستيقاظ الطبيعية )، بينما تسمى بأورام الأوليّـات العصبية فحسب
(
neuroblastomas ) حين تنشأ بنصفي كرة المخ، و هذه الأورام سريعة النمـو شأن أورام الأدمة العـصبية الأخرى و يمكن أن تنتقل على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي.

الأورام الدبقية العقـدية ( Gangliogliomas  )

      تسمى الأورام التي تتكون من خليط يجمع بين العَصَبات البالغة و خلايا دبقية بالأورام الدبقية العقدية، و تُعد الأعلى في معدلات الشفاء القياسية باستخدام العمل الجراحي منفردا أو مع القليل من المعالجات الإشعاعية.

أورام الضفيرة المشيمية ( Choroid plexus tumors )

      و هي أورام تنشأ بالضفائر المشيمية ضمن البطينات المخية، و هي عادة أورام حميدة و تسمى بالأورام الحليمية بالضفيرة المشيمية ( choroid plexus papillomas  ) و تشفى بالعمل الجراحي منفردا، غير أن بعض أنواعها بالمقابل متسرطنة و تسمى في هذه الحال بالسرطان النسيجي للضفائر المشيمية ( choroid plexus carcinomas ).

 

 

 

 

الأورام القحفية البلعمية ( craniopharyngiomas )

      و هي أورام حميدة تنشأ بأعلى موضع الغدة النخامية و تحت قاعدة الدماغ، و تكون عادة قريبة جدا من العصب البصري مما يصعب من إجراء الجراحات الاستئصالية، و قد تضغط هذه الأورام على الغدة النخامية و الوطاء مما يؤدي بدوره إلى اختلال الإفراز الهرموني، و على الرغم من أنها أورام حميدة غير انه من الصعب إزالتها جراحيا نظرا لموضعها ضمن الأنسجة الحساسة للدماغ، و قد يتم استخدام المعالجات الإشعاعية لدى بعض الحالات.

أورام خلايا شفان ( Schwannomas ) أو أورام الأغماد العصبية ( neurilemoma )

     و تنشأ هذه الأورام النادرة لدى الأطفـال بخلايا شفـان التي تحيط و تعزل الأعصاب القحفية و غيرها من الأعصاب، و هي أورام حميدة في اغلب الأحوال و تتموضع عادة قرب المخيخ و بالأعصاب القحفية المسؤولة عن التوازن و السمع، و قد يُشير ظهورها بشكل متعدد لدى حالة ما إلى وجود دلائل وراثية عائلية، مثل متلازمة الأورام الليفية العصبية ( neurofibromatosis ) سالفة الذكر.

الأورام السحائية ( Meningiomas )

     و تنشأ هذه الأورام بأغشية السحايا و تنجم عنها أعراض مختلفة عند ضغطها على الدماغ أو الحبل الشوكي، و رغم أنها أورام حميدة في اغلب الأحوال و نادرة لدى الأطفال غير أنها قد تتمركز بدرجة خطرة قريبا من أنسجة حيوية ضمن الدماغ أو الحبل الشوكي مما يمنع من معالجتها جراحيا، و من جهة أخرى ثمة أنواع من الأورام السحائية الخبيثة النادرة، و منها الورم الغرني السحائي ( Meningiosarcoma ) و الذي قد يعود مرارا عقب الاستئصال الجراحي و قد ينتقل لدى حالات نادرة إلى أجزاء أخرى بالجسم.

الأورام الحبلية الظهارية ( Chordoma )

      و تنشأ هذه الأورام بالعظام بمؤخرة الجمجمة أو بالنهاية الطرفية السفلى للحبل الشوكي، و من غير المعتاد أن تنتقل إلى مواضع أخرى، و تشير الدراسات إلى أنها قد تعود مرارا عقب المعالجات القياسية خلال فترات تتراوح بين 10 إلى 20 سنة.

أورام الخلايا التناسلية ( Germ cell tumors )

      خلال مراحل التطور الجنيني الطبيعية تنتقل الخلايا التناسلية بمسار محدد لتستقر بالمبايض أو الخصيتين لتتطور إلى بويضات أو خلايا منوية، غير أنه في بعض الأحيان ينتهي بها الأمر لتستقر في مواضع غير طبيعية مثل الدماغ، و قد ينشأ عنها أورام مشابهة للأورام الناشئة عن تسرطن الخلايا التناسلية بالخصيتين أو المبايض، و من المعتاد أن تنشأ مثل هذه الأورام بالجهاز العصبي المركزي لدى الأطفال بالغدة الصنوبرية أو بأعلى الغدة النخامية، و يُعرف أكثر أنواعها شيوعا بالـورم الجُرثمي ( germinoma ) و الذي يمكن شفاؤه بالمعالجات الإشعاعية و أحيانا بالعلاج الكيماوي عند كل الحالات تقريبا، و يجدر بالذكر أنه من الممكن تشخيص هذه الأورام أحيانا بمجرد قياس معدلات بعض المركبات الكيميائية بالسائل المُخّي الشوكي أو بالدم دون الحاجة لفحوصات أخرى.

 

 

 

 

 

مواضع أورام الدماغ

 


 

عوامل الخطورة لنشوء أورام الجهاز العصبي المركزي

 

      يشير تعبير عوامل الخطورة ( Risk factors ) إلى العوامل و الظروف المؤهبة التي تزيد من احتمال العُرضة لأي مرض، مثل السرطان، عند أي شخص، و ثمة عوامل خطورة لكل نوع من الأورام، و قد تتضمن عوامل خطورة وراثية أي ترتبط بخصائص المورثات، إضافة إلى عوامل ترتبط بالبيئة أو نمط المعيشة و الظروف الحياتية، و رغم أن العوامل المتعلقة بنمط المعيشة مثل التدخين و التغذية السيئة أو تعاطي المسكرات تُعد من العوامل المهمة لدى العديد من أورام البالغين، إلا أن تأثيرها معدوم أو ضعيف عند التطرق لأورام الأطفال، و فيما يتعلق بعوامل الخطورة المتعلقة بالبيئة، لم يتبين للباحثين أي رابط بين نشوء أورام الدماغ و بين العوامل البيئية سواء قبل الولادة أو بعدها، مثل التعرض للكيماويات السامة أو تلوث المياه و الهواء، كما لم يتبين وجود أي رابط بظروف أخرى مثل استخدام الأشعة السينية أثناء الحمل أو خلال فترة الطفولة، أو تناول أنواع العقاقير المختلفة، و لا ترتبط معظم أورام الدماغ بعوامل خطورة مؤكدة و معروفة و تنشأ دون أسباب واضحة يمكن أن تعزي إليها.

     و قد أفادت بعض الدراسات عن وجود نسبة خطورة لنشوء مثل هذه الأورام عند التعرض لبعض المؤثرات البيئية أو الكيميائيات، مثل التعرض لغاز الفينيل كلورايد ( vinyl chloride و هو غاز عديم الرائحة يستخدم في صناعات اللدائن )، أو استخدام مادة الاسبرتام ( aspartame ) و هي بديل صناعي للسكر، أو التعرض للحقول الكهرومغناطيسية المنبعثة من أجهزة الهاتف النقال أو الأسلاك عالية التوتر الكهربي، إضافة إلى الرضوض و الإصابات بالرأس، غير أن اغلب الباحثين في هذا المجال يتفقون على عدم وجود دليل مؤكد و حصري يشير بوضوح إلى تأثير هذه العوامل، و في الواقع ثمة دراسات معاكسة تفيد بأن مثل هذه العوامل لا تُعد من مسببات الأورام الدماغية.

 

عوامل الخطورة المتعـلقة بعـلاجات الأورام

        تفيد العديد من الدراسات الطبية عن وجود علاقة مباشرة، و بنسبة خطورة صغيرة، بين معالجة مرضى السرطان سواء البالغين أو الأطفال بالعلاج الإشعاعي، و بين ظهور أورام ثانوية غير الورم الأصلي المُعالج خلال فترات لاحقة من الحياة، و منها نشوء أورام الدماغ ( خصوصا الأورام النجمية و أورام السحايا ) حين يكون الرأس ضمن حقل المعالجة الإشعاعية، و التي تزداد نسبة الخطورة لتطورها عند تلقي المعالجات في فترات مبكرة من العمر إضافة إلى تلقي جرعات عالية، و تُعد مثل هذه الأورام الثانوية أكثر شيوعا لدى البالغين حيث من المعتاد أن تظهر عقب عدة سنوات من انتهاء المعالجات الإشعاعية.

و بهذا الصدد نشير إلى أن الإشعاع المؤين المستخدم في المعالجات الإشعاعية و أيضا بالأجهزة التصويرية للأشعة السينية يُعد من أكثر عوامل الخطورة المؤكدة لنشوء أورام الدماغ، و قد أكدت الدراسات الطبية أن المعالجات الإشعاعية بجرعات مخفضة و المستخدمة قبل أكثر من خمسين عاما لمعالجة الأطفال المصابين بداء سعفة فروة الرأس ( ringworm of the scalp ) و التي تنتج عن عدوى فطرية، قد أدت إلى ارتفاع نسبة نشوء أورام دماغية بين أولئك الأطفال خلال فترات لاحقة من حياتهم.

 

 

 

 

عوامل الخطورة الوراثية و عـلل المورثات

      تبين للعلماء منذ عقود أن الإنسان قد يرث عن أبويه بعض التبدلات و الاختلالات بشفرات الضفائر الوراثية بالحمض النووي للخلايا، و التي بدورها تسبب أمراضا تنتشر في عائلات بعينها، و ثمة نسبة خطورة عالية للعديد من الأمراض عند ولادة الأطفال مع وجود بعض أنواع العيوب الخلقية و التي تُعرف بالمتلازمات ( syndromes  و يمكن تعريف المتلازمة بأنها مجموعة متزامنة من الأعراض و التشوهات أو الإعاقات أو الظواهر الشاذة الأخرى، و التي تظهر في اغلب الأحوال مجتمعة بنفس المريض )، و من المتلازمات و العلل الوراثية التي تم الربط بينها و بين زيادة نسبة الخطورة لنشوء أورام الجهاز العصبي المركزي :

  • متلازمة لي فراومني (  Li-Fraumeni ) و التي إضافة إلى أنها تزيد من نسبة الخطر لنشوء أورام ابيضاض الدم و أورام العظام الغرنية و سرطان الثدي و أورام الأنسجة الرخوة ، تحمل نسبة خطورة أيضا لنشوء أورام الدماغ و الحبل الشوكي و خصوصا الأورام الدبقية.

  • النوع الأول من علة الأورام الليفية العصبية (  Neurofibromatosis - type 1 )، و المعروفة بعلة ريكلينقهاوزن ( Recklinghausen’s disease  ) المشار إليها آنفا، و تُعد من أهم العلل التي تحمل خطر نشوء أورام الجهاز العصبي، و هي كما سبق القول علة وراثية من خواصها نشوء أورام ليفية بالأعصاب الطرفية، و من المعتاد أن تتسبب  في نشوء أورام عصبية متعددة، و تزيد من نسبة الخطورة لنشوء أورام الدماغ و خصوصا الأورام الدبقية و أورام العصب البصري، و قد تم مؤخرا تحديد نوع العطب بالمورث المسئول عن نشوء هذه العلة.

  • النوع الثاني من علة الأورام الليفية العصبية (  Neurofibromatosis – type 2  )، و إن كانت تحمل نسبة خطر أقل من النوع الأول، و قد ربطت بعض الأبحاث الطبية بينها و بين نشوء أورام السحايا و أورام العصب السمعي ( acoustic nerve ) و أورام البطانة العصبية بالحبل الشوكي.

  • علة التصلب الدرني الموروث ( tuberous sclerosis )، و من المعتاد أن تظهر بين المصابين بهذه العلة أورام غير مرتشحة من النوع النجمي ضخم الخلايا لما تحت البطانة ( subependymal giant cell astrocytomas )، إضافة إلى بعض الأورام الحميدة بالجلد أو بالكليتين.

  • علة فون هيبل لينداو ( Von Hippel-Lindau disease )، و هي علة وراثية نادرة من خواصها نشوء أورام وعائية بعروق الشبكية و المخيخ و نشوء تكيسات أو تشوهات خلقية بالكبد و الكليتين و البنكرياس تؤدي إلى نمو نوابت ورمية، و تربط الأبحاث الطبية بين وجود هذه العلة و ارتفاع نسبة الخطورة لنشوء أورام أوليات الأوعية الدموية ( hemangioblastomas ) بالمخيخ و الشبكية، إضافة إلى سرطان الخلايا الكلوية النسيجي
    (
    renal cell carcinomas ).

  


 

 

 

حول نشوء أورام الجهاز العصبي المركزي

 

        يلزمنا لفهـم كيفية نشـوء الخلايا السرطانية، الإلمام ببعض المعلومات الأولية و الأساسية عن المـورثات ( genes )
و الخصائص الوراثية، فالمورث عبارة عن جزء من الحمض الريبونووي (
deoxyribonucleic acid DNA ) يحمل خصائص وراثية معينة و لديه وظيفة حيوية محددة، و كمثال تحدد المورثات لون العينين و البشرة، أو فئة الدم، و هذا الحمض هو المادة الكيميائية التي تحمل التعليمات الموجهة لنظام و دورة حياة الخلايا، و يقوم بالتحكم في كل نشاطـاتها، و يُعد نوع التغيرات الشاذة في الحمض النووي للمورثات العامل المؤثر في تحديد نوع المرض الذي قد يصيب الإنسان، و المـورثات هي أجزاء من الصبغيات
(
chromosomes )، و التي من الممكن تشبيهها بشريط خيطي يشبه الضفيرة من الحمض النووي فائق الطول، يحتوي على الآلاف من المورثات تصطف على امتداده، و ينتظم الحمض النووي بدقة في 23 زوجا من الصبغيات، يرث الإنسان النصف من كل زوج عن أحد الوالدين.

      و ثمة أنواع متعددة و كثيرة جدا من المورثات، و لكل منها وظائف حيوية و خصائص وراثية محددة، و يحتوي بعضُ من أنواعها على التعليمات و الشفرات الوراثية التي تتحكم في آلية النمـو و الانقسام، و بالتالي التضاعف و التكاثر لإنتاج خـلايا جديدة، و من هذه مورثات معينة تحث و تُعدل عمليات انقسام الخلية، و تسمى اصطلاحًا بالمـورثات الورمـية ( oncogenes
و مورثات أخرى تُبطيء و تكبح الانقسام و التكاثر، أو تُعطي التعليمات للإفناء الذاتي للخلية عند الحاجة، و تسمى بالمـورثات الكـابحة للتـورم (
Tumor suppressor genes ).

و بمعنى آخر، تقوم الخلايا بالتكاثر و الانقسام و النمو بتوجيه من برنامج مشفّر بحمضها النووي، و تتلقى إشارة بالتوقف عند حدّ معين حيث يتوفر الكمّ المطلوب من الخلايا، فيتوقف الانقسام و التكاثر، و يتم تشغيل برامج تالية توجه الخلايا لإنتاج البروتينات اللازمة لتصبح خلايا بالغة و متخصصة قادرة على القيام بالمهام المنوطة بها، أي أن نظام الانقسام و النمو و العمل، يتوقف و يبـدأ و ينشط حسب نظام متسلسل تعاقبي، و خالٍ من الأخطاء لينتج خلايا طبيعية سليمة، و ثمة عدة أوجه لعرقلة و مقاطعة تقدم هذا النظام المنهجي، فمثلا إذا حدث قصور في إشارة التوقف و لم تعمل لسبب ما، تستمر الخلايا في الانقسام و التكاثر دون ضوابط و تكون كتلة شاذة متضخمة، أو عند حدوث قصور في عمل المورثات الكابحة للتورم، التي تنتج بروتينا معينا يكون مسئولا عن توقيف الخلية عند وجود عطب بالحمض النووي، سواء لإصلاح الخلل أو لإفنائها ذاتيا عند تعذر الإصلاح، فحين لا يعمل هذا البروتين لسبب ما، تستمر الخلايا ذات الحمض النووي المعطوب في الانقسام، و إنتاج خلايا جديدة، مسببة المزيد من العطب في المورثات الأخرى، التي تتحكم في نمو و تطور الخلايا و ينتهي الأمر بنشوء السرطان.

 

 

 

      و من جهة أخرى قد يرث المرء بعضا من التغيرات الشاذة ( أو الأعطاب ) بالحمض النووي عن والديه، الأمر الذي يفسر ظهور بعض العلل بشكل شائع لدى بعض العائلات، و تسمى هذه التغيرات بالتحورات أو التبدلات الجذرية للبُنية ( mutations
و التي تنشا أيضا لأسباب غير مفهومة و غير مبررة أسوة بصور الإختلال الأخرى التي تصيب هذا الحمض، و التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :

  • شرود للصبغيات و تبادل المواقع ( Translocation ) بين جزأين من الحمض النووي، أي أن مقطعا من الحمض النووي بصبغي معين يشرد ملتحقا بصبغي مختلف و غير متماثل معه، مما يؤدي إلى إعادة ترتيب البرامج المشفرة بالحمض النووي للخلية مع ثبات الخطأ و تعطل النظام و السياق الموجه لأطوارها المختلفة، و هذا الاختلال على وجه الخصوص يُعد مسؤولا عن نشوء بعض الأنواع من أورام الأطفال، خصوصا بعض أنواع اللوكيميا.

  • الانعكاس أو الانقلاب ( inversion ) مما يعني أن جزءا من صبغي ما تراكب بشكل مقلوب و ظل منعكسا إلا انه لا يزال مرتبطا بنفس الصبغي.

  • الإضافة ( addition ) أي أن جزءا من صبغي ما ( أو الصبغي بكامله ) قد تضاعف و تتواجد منه نسخ كثيرة بالخلية.

  • الفقدان أو المحو ( deletion ) لبعض من مقاطع حمض نووي بصبغي معين.

    و من هنا يمكن أن تتسرطن الخلايا الطبيعية عند حدوث أي من أنواع الاختلال المذكورة ببنية الحمض النووي، ( أي التحورات الشاذة بالبنية أو شرود الصبغيات أو المحو أو الانعكاس أو الإضافة ) و التي تدفع بدورها ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) إلى تشغيل المورث الورمي دون ضوابط ( مما يفقده القدرة على التحكم في نمو الخلية و تكاثرها )، أو يُبطل عمل المورثات الكابحة للتورم، و ينتهي الأمر بنشوء ورم سرطاني، و من المهم معرفة أنه و عدا عن الإختلالات الوراثية التي تزيد من نسبة الخطر لنشوء بعض الأورام، و الأمر ليس حتميا البتة، لا يعرف العلماء الأسباب الحقيقية و المؤكدة التي تؤدي إلى حدوث أنواع الاختلال بالحمض النووي، ( أو التي تقدح الزناد ) و التي تؤدي إلى تسرطن الخلايا الطبيعية و نشوء الأورام.

      و فيما يتعلق بأورام الجهاز العصبي، فقد وجد الباحثون أن أعطاب المورثات التي تظهر بالعلل و المتلازمات الوراثية، مثل المذكورة آنفا ترتبط بزيادة نسبة الخطر لنشوء بعض أورام الجهاز العصبي المركزي، و على سبيل المثال، تنشأ متلازمة لي فراومني (Li-Fraumeni  ) عن وراثة اختلال بالحمض النووي يؤدي إلى إحباط المورث الكابح للتورم المسمى بي 53 ( p53 tumor suppressor gene )، بحيث لا تعمل بروتينات هذا المورث المسئولة عن توقيف الخلايا لإصلاح أعطاب الحمض النووي و منع الخلايا المعطوبة من النمو، الأمر الذي يزيد من نسب الخطورة لنشوء العديد من الأورام، و منها أورام الدماغ و خصوصا الأورام النجمية.

      و قد أفادت العديد من الدراسات عن وجود تبدلات متعددة بالمورثات مرتبطة بنشوء أورام الدماغ و الحبل الشوكي، نذكر منها وجود نسـخ كثيرة سواء من الصبغي السـابع أو الثاني و العشرون لدى العديد من أورام الدمـاغ، و كذلك وجود فقـدان و محـو ( deletion ) لمقاطع من الحمض النووي بالصبغيات التاسع و العاشر و السابع عشر، حيث لوحظ الفقد بالصبغي السابع عشر بالأورام النجمية من الدرجة الدنيا، بينما يظهر الفقد بالصبغي التاسع في مراحـل متوسطة من الأورام النجمية من الدرجة العليا، و يظهر الفقد بمقطع من الصبغي العاشر في مراحل متقدمة من أورام الأوليات الدبقية متعددة التشكل، و من ناحية أخرى ثمة فقدان متعدد لمقاطع من الصبغي الثاني و العشرين بأورام السحايا، و يفيد الباحثون بأن المقاطع المفقودة من هذه الصبغيات تحتوي على العديد من المورثات الكابحة للتورم و التي تمنع من النمو الورمي، و من المؤمل بمعرفة مثل هذه المعطيات الوصول إلى معالجات ناجعة لأورام الجهاز العصبي.

  و من جهة أخرى تلزم الإشارة إلى أن التغيرات الشاذة ببنية الحمض النووي و المرتبطة بنشوء أورام الجهاز العصبي عند أغلب الحالات هي أعطاب مكتسبة و عارضة عقب الولادة و خلال المراحل المبكرة من حياة الأطفال و ليس قبل ذلك بالوراثة، و من المهم تذكر أنه لا توجد أية عوامل خطورة معروفة و مؤكدة عند معظم المرضى بهذه الأورام، و لا أحد يعرف أسباب نشوء هذه الإختلالات المؤدية إلى تطور النمو الورمي لديهم دون وجود دلائل و علل وراثية، و لم يكن ثمة ما يمكن فعله لتجنب نشوء السرطان.

  


 

 

 

حول أعـراض أورام الدمـاغ و الحبل الشوكي

 

      ليس ثمة تحاليل معينة في الوقت الحاضر أو فحوصات مخبرية للكشف بشكل مبكر عن أورام الدماغ، و الواقع أن فرص الشفاء تعتمد على نوع الورم و موضعه ضمن الجهاز العصبي المركزي و ليس على التشخيص المبكر، و بالنسبة لأغلب أورام الدماغ و الحبل الشوكي ثمة دلائل قليلة جدا عن أن التشخيص المبكر و بالتالي المعالجات المبكرة تزيد من فرص الشفاء، و بطبيعة الحال يتم الاشتباه بوجود مثل هذه الأورام حين تظهر لدى المريض جملة من الأعراض التي قد تشير إليها، و في اغلب الأحوال تظهر هذه الأعراض بتدرج بطيء يزداد سوءا بمرور الوقت، غير أنه بالمقابل قد يظهر بعضها بشكل مفاجيء و حاد، و تُعد النوبات الصرعية من أول الأعراض المعتادة لأورام الدماغ لدى العديد من الحالات، و رغم أن القليل من مثل هذه النوبات ينجم عن الأورام الدماغية لدى الأطفال، إلا انه يلزم في مطلق الأحوال استشارة طبيب أخصائي بالأعصاب لتحديد مسببات هذه النوبات، و مدى الحاجة لإجراء المزيد من الفحوصات حال ظهورها عند أي طفل.

      و من جهة أخرى يعتمد التشخيص المبكر لأورام الدماغ و الحبل الشوكي في اغلب الأحوال على موضع نشوء الورم ضمن أنسجة الجهاز العصبي، حيث تظهر الأعـراض بشكل واضح و في مراحل مبكرة عند نشوء الأورام بالمواضع الحساسة و المهمة، و يتأخر ظهورها عند نشوء الأورام بمواضع اقل أهمية، و بطبيعة الحال يؤثر نشوء الورم و نموه على الوظائف الحيوية المرتبطة بموضع نشأته، و بالتالي تشير الأعراض الأولية إلى موضعه، فمثلا تسبب أورام الحبل الشوكي عادة خدرا و ضعفا بالقدمين معا، بينما تتسبب الأورام الناشئة بنصفي كرة المـخ في حدوث اختلالات حركية بالجسم، و قد سبقت الإشارة إلى مجمل هذه الأعـراض، و بهذا الصدد يُعد ارتفاع الضغط داخل الجمجمة العارض الأكثر شيوعا لأورام الدماغ، و الذي قد يسبب بدوره أعراضا تالية، مثل الصداع الشديد و المستمر، و الغثيان و التقيؤ، و اختلال الرؤية، و يُعد الصداع من أكثر هذه الأعراض شيوعا و يظهر لدى أكثر من نصف حالات الأطفال، و بينما يؤدي ارتفاع الضغط عند بعض الأطفال إلى ازدواج الرؤية و الحول بالعيون، قد يؤدي إلى فقد الرؤية كليا لدى البعض الآخر، و يجدر بالذكر أنه من المعتاد أن يتم التحقق من ارتفاع الضغط داخل الجمجمة بفحص قاع العين، لتحري وجود تضخم بالعصب البصري، أو ما يُعرف بوذمة الحُليمة البصرية ( papilledema )، و كما سلفت الإشارة ينجم ارتفاع الضغط بالدماغ كنتيجة مباشرة لنمو الأورام و إعاقتها لتدفق السائل المُخّي الشوكي أو سدها لقنواته، و من مؤشرات الارتفاع التدريجي لمثل هذا الضغط لدى الأطفال ما دون سن المدرسة ظهور أعراض مختلفة، مثل الاهتياج المستمر، و فقدان الشهية، و تأخر النمو الطبيعي و تراجع و انحدار القدرات العقلية و المهارات الحركية.

      و من الأعراض الشائعة لدى الأطفال بسن المدرسة، ظهور انحدار مفاجيء بالأداء الدراسي و الخمـول و الإعيـاء المتواصل و التقلبات المتطرفة بالشخصية و المزاج، و الشكوى من متاعب جسدية مبهمة، و نوبات الصداع المتقطعة، و من جهة أخرى ثمة أعراض شائعة لدى الأطفال الرضّع تشمل ازدياد حجم الرأس بشكل غير طبيعي قد يكون مصحوبا بظهور انتفاخ بالمواضع اللينة من الجمجمة، إضافة إلى التقيؤ المستمر و ضعف النمو البدني، و تجدر الإشارة إلى أن هذه الأعراض قد لا تعني بالضرورة وجود أورام بالجهاز العصبي المركزي إذ أنها تنتج أيضا عن العديد من الأمراض الأخرى.

 


 

 

 

 

حول التشـخيص

 

      عند ظهور الأعراض التي يمكن أن تُعزى إلى وجود أورام بالدماغ أو بالحبل الشوكي، يقوم الأطباء بإجراء سلسلة من الفحوصات و التحاليل المخبرية و التي تبدأ بالفحص السريري و تقصي التاريخ الصحي للطفل، لجمع المعطيات عن وظائف الدماغ بفحوصات الأعصاب، و بطبيعة الحال يقوم طبيب اختصاصي بالأعصاب أو جراح مختص بالجراحات العصبية بمثل هذه الفحوصات، و بهذا الصدد نشير إلى أن تشخيص و معالجة أورام الدمـاغ و الحبل الشوكي ينبغي أن تتم بمركز متخصص بأورام الأطفال و على يد فريق متكامل من الأخصائيين، من المعتاد أن يترأسهم جـراح مختص بالأعصاب ( neurosurgeon ) يتولى مسؤولية التشخيص و تقدير الحالة من جميع الجوانب و إجراء الجراحات، يعاونه فريق من الأخصائيين بعلـوم الأمراض و بالأورام و بالعلاج الإشعاعي و بالغدد الصماء، و أطباء نفسيـون و مختصون في المعالجات الطبيعية و إعادة التأهيل، إضافة إلى أخصائيون اجتماعيون و طاقم تمريض اختصاصي بمعالجة الأطفال المرضى بالسرطان.

      تبدأ الخطوة التالية، عند وجود معطيات قوية تدفع للارتياب بوجود ورم بالجهاز العصبي، بإجراء الفحوصات التصويرية المختلفة و التي تلتقط صورا مفصلة للأعضاء الداخلية تتم دراستها من قبل أخصائيي الأعصاب و الأشعات، بغية تحديد مدى وجود النمو الورمي، و من ثم تحديد مختلف جوانب الورم بدقة، و تقليديا يتم استخدام التصوير الشعاعي المقطعي ( Computed tomography scan )، إضافة إلى التصوير بالمرنان المغناطيسي ( Magnetic resonance imaging باستخدام الموجات المغناطيسية لوضع صور متعددة للجسم )، و الذي يمكنه إظهار أورام الدماغ بوضوح في اغلب الأحوال، إضافة إلى تحديد مواضعها بدقة، و يُعد مفيدا على وجه الخصوص في تحديد الأورام بجذع الدماغ و المخيخ.

      و ثمة العديد من الفحوصات التصويرية الأخرى و المستخدمة لدى أورام الدماغ، من أهمها التخطيط الشعاعي الطبقي بدفق الكهيربات الموجبة ( Positron emission tomography PET scan )، و الذي يتم بحقن جرعة منخفضة الإشعاع من مادة حيوية مثل سكر الجلوكوز، و يبين التخطيط معدل استهلاك الخلايا الورمية للسكر كمصدر للطاقة، و يقارنه بمعدل استهلاك الخلايا الدماغية الأخرى، و بصفة عامة، تستهلك الأورام الدماغية من الدرجات العليا معدلات عالية من السكر أكثر من الخلايا الدماغية السليمة ( فرط الأيض hyper-metabolism  )، بينما تستهلك الأورام من الدرجات الدنيا معدلات اقل ( نقص الأيض hypo-metabolism )، و من ناحية أخرى يتم استخدام مثل هذا الفحص لاحقا لتقييم مدى استجابة الأورام للمعالجات المختلفة، كما يتم استخدام التخطيط الوعائي ( Angiography )، بُغية التقاط صور إشعاعية مختلفة للأوعية و الشعيرات الدموية بواسطة الأشعة السينية عقب حقن نوع معين من الصبغات بالأوعية الدموية القريبة من موضع الورم، مما يساعد على توضيح إمدادات الدم للنسيج الورمي.

      و على الرغم من أن الأعراض و الفحوصات السريرية و الاختبارات التصويرية بأنواعها المختلفة قد تؤكد بوضوح على وجود أورام الدمـاغ أو الحبل الشوكي، غير أن الوسيلة الوحيدة للتأكد تماما، و إعطاء تشخيص نهائي و من ثم تمييـز نوع الـورم و خواصه على وجه الدقة، تتم بإجراء الخزع الجراحي الذي يستهدف استخلاص خزعة من أنسجة الورم لفحصها مجهريا، و يتم مثل هذا الخزع بان يقوم جراح الأعصاب بإجراء جراحة فتح للجمجمة و إزالة أكثر كمّ ممكن من نسيج الورم، أو باستخلاص خزعة باستخدام إبرة شعرية يتم توجيهها بدقة نحو كتلة الورم باستخدام التصوير المقـطعي أو المرنان المغناطيسي، و هي عملية تُعرف بتقنية الخزع المجسم ( stereotactic biopsy )، و كما هو الحال عند تشخيص الأورام، يقوم اختصاصي بعلوم أمـراض الأعصاب ( neuropathologist ) بفحص العينة بدقة تحت المجهر لتحديد نوع الخلايا الورمية و خواصها الحيوية، تمهيدا لترتيب الخطط العلاجية الملائمة.

      و من جهة أخرى يتم تقليديا إجراء عملية البزل القطني ( Lumbar puncture ) بهدف استخلاص عينة من السائل المُخّي الشوكي و فحصها تحت المجهر للتحري عن وجود خلايا سرطانية، مع إجراء تحاليل إضافية لتقصي وجود بعض المركبات التي تفرزها بعض الأورام، مثل أورام الخلايا التناسلية، كما يتم إجراء خزع للنخاع العظمي ( Bone Marrow Biopsy ) لدى بعض الحالات، خصوصا أورام الأوليات النخاعية ( medulloblastomas ) التي يمكنها الانتقال خارج الجهاز العصبي،  للتقصي عن مدى وجود انتقال للخلايا الورمية بعيدا عن مواضع النشأة ضمن الجهاز العصبي.

( يُرجى الانتقال لصفحة الفحوصات و التحاليل المخبرية لمزيد من التفاصيل حول مختلف هذه الفحوصات ).

  


 

 

 

 

تصنيف أورام الجهاز العـصبي المركزي

 

      من أساسيات معالجات السرطان إتباع أنظمة تصنيف للأورام، و التي تتم من خلال جمع المعطيات الكافية حول الورم بمختلف التحاليل و الفحوصات، بدءا من تحديد نوع الورم و موضعه و حجمه و خواصه الحيوية، إلى التحقق من مدى انتقاله من موضع نشوئه إلى الأنسجة المحيطة أو إلى أية مواضع أخرى، و من خلال جميع المعطيات يتم تصنيف درجة الورم ( grading )، و يتم تحديد تصنيفه المرحلي ( Staging )، و ذلك ليتسنى ترتيب الخطط العلاجية الملائمة، و للتكهن بالمردود العلاجي المتوقع.

و فيما يتعلق بأورام الجهاز العصبي المركزي، تتمثل هذه المعطيات في العديد من العوامل التي يمكن من خلالها ترتيب الخطة العلاجية و التكهن بالمسار العلاجي الممكن، و تشمل عمر الطفل و نوع الخلايا المتسرطنة و درجتها و موضع الورم ضمن الجهاز العصبي، و الكمّ الممكن إزالته جراحيا من أنسجته و ما قد يتبقى منها عقب الجراحة، و مستوى أداء الطفل البدني ( تبعا للأعراض الناتجة عن الورم )، و مدى انتقال الخلايا السرطانية عبر السائل المُخّي الشوكي إلى مواضع أخرى بالدماغ و الحبل الشوكي، إضافة إلى مدى وجود انتقال للسرطان إلى مواضع أخرى خارج الجهاز العصبي ( و إن كان ذلك نادرا ). 

      و في الوقت الحاضر ليس ثمة نظام تصنيف مرحلي لأورام الجهاز العصبي المركزي كما هو الحال لدى أنواع الأورام الأخرى، رغم وجود عدة مقترحات بهذا الشأن، غير أنها ليست متبناة من قبل مختلف المدارس الطبية، و تقليديا يتم الاكتفاء بتصنيف أورام الدماغ في فئات حسب موضعها ضمن الدماغ و نوع الخلايا حيث تنشأ، و مظهر و سلوك الأنسجة الورمية، و المتداول بالتالي تصنيفها بشكل عام إلى فئتين : علوية تنشأ بالجزء العلوي من الدماغ أو فوق خيمة المخيخ ( Supratentorial )، و سفلية تنشأ بالجزء السفلي من الدماغ أو تحت خيمة المخيخ ( Infratentorial )، ثم يتفرع التصنيف حسب النوع، و من ناحية أخرى يتم تحديد درجة الورم عقب استخلاص عينة من أنسجته و فحصها مجهريا لتحديد نوع الخلايا المتسرطنة و مظهرها و مدى شذوذها عن الخلايا الطبيعية، و بالتالي مدى ( عدوانيتها )، و من المعتاد تصنيف درجة هذه الأورام بتدرج بين الرقم ( 1 ) إلى ( 4 )، حيث للأورام بالدرجة العليا مظهر أكثر شذوذا و تنمو بسرعة اكبر من الأورام بالدرجة الدنيا، كما أنها أكثر تسـرطنا.
و لدى بعض الأنـواع من أورام الدمـاغ ( مثل أورام الأوليات النخـاعية ) يتم تصنيف الحـالات حسب درجة الخطر إلى فئـتين،  فئـة الخطر المعـتدل (
average-risk ) و فئة الخطر السيئ ( poor-risk ) بناءاً على عمر الطفل، و موضع تركز الورم، و الكمّ الممكن إزالته جراحيا من أنسجته، و ما قد يتبقى منها عقب الجراحة، إضافة إلى مدى انتقال الورم من موضع نشوئه، إلا أن مثل هذا التصنيف غير متداول لدى اغلب أورام الجهاز العصبي المركزي.

 


 

 

 

حول معـالجات أورام الجهاز العصبي المركزي

 

        كما هو الحال لدى معالجة السرطان، تتم معالجة الأطفال المرضى بأورام الدمـاغ و الحبل الشوكي بالعمل الجراحي كعلاج أولي و أساسي و بالعلاج الإشعاعي مع العلاج الكيماوي أو بدونه و ذلك حسب نوع الـورم، و بطبيعة الحال يتم ترتيب الخطة العلاجية لكل طفـل على حدة بُغية توفير أفضل الفرص في الشفاء، مع الأخذ في الحسبان دوما المضاعفات المتأخرة للمعـالجات و للمرض، و يجدر بالذكر أن معالجة الأطفال الرُضعّ و من هم بسن تقل عن الثلاث سنوات تعتمد بشكل أساسي على جراحات إزالة الأورام و العلاج الكيماوي فحسب، و تأخير استخدام المعالجات الإشعاعية ما أمكن ذلك، بُغية تجنب المضاعفات المتأخرة للإشعاع و التي قد تعيق النمو البدني الطبيعي و تؤثر على التطور المعرفي للطفل، و بصفة عامة يحرص الأطباء المختصون بالمعالجات الإشعاعية كل الحرص على تقليل الكمّ المتعرض للإشعاع من أنسجة الدماغ السليمة لدى الأطفال بجميع الأعمار.

و ثمة فرص جيدة للشفاء لدى العديد من الأطفال المرضى بهذه الأورام عقب تلقي المعالجات القياسية و الملائمة، و تتحسن الفرص بشكل كبير لدى حالات الأورام المنحصرة بمواضعها، و فيما يتعلق بالعوائد العلاجية، تفيد الإحصاءات الطبية بأن معدلات الشفاء للخمس سنوات القياسية للأطفال المرضى بأورام الدماغ تبلغ في المتوسط 60 % لكل أنواع هذه الأورام، ( يُشير معدل الخمس سنوات شفاء القياسية إلى نسبة المرضى الذين يعيشون خمس سنوات على الأقل منذ تشخيصهم بسرطان معين، و بالطبع يشفى الكثيرون تماما و يعيشون أكثر من ذلك بكثير، و يستخدم هذا المعدل عادة كدلالة إحصائية عند حالات السرطـان )، غير أن النسب تتفاوت بطبيعة الحال تبعا لنوع الـورم و موضعه، و من الصعب تقييمها بنسبة محددة، و على سبيل المثال يتم تحقيق الشفاء لدى حوالي تسعين بالمئة من الأطفال المرضى بالأورام النجمية الناشئة بالمخيخ بالعمل الجراحي.

 

 

 

 

الجراحـة

       

      بصفة عامة تبدأ الخطط العلاجية لأورام الدماغ بقيام جراح الأعصاب بإزالة أكبر كمٍّ ممكن من أنسجة الورم موضوع الجراحة، و قد يتمكن العمل الجراحي منفردا من إزالة كامل النسيج الورمي لدى الكثير من الحالات، غير انه من المعتاد أن تتم السيطرة على أغلب الأورام بالمعـالجة المشتركة بين الجراحة و العلاج الإشعاعي، و مثل هذه الخطط مفيدة على وجه الخصوص في معالجة بعض أنواع الأورام النجمية بالمخيـخ ( cerebellar astrocytomas )، و الأورام النجمية المصفـرة متعددة التشكـل
(
Pleomorphic xanthoastrocytoma ) و بعض حالات أورام البطانة العصبية ( Ependymoma )، و أورام الظهارة العصبية ذات التشوه الجنيني ( Dysembryoplastic neuroepithelial )، و الأورام الدبقية العقدية ( Gangliogliomas  )، و بعض الأورام السحائية ( Meningiomas )، و الأورام القحفية البلعومية ( craniopharyngiomas )، إضافة إلى بعض الأنواع بالدرجات الدنيا من الأورام الدبقية الأخرى.

      بينما من جهة أخرى من غير الممكن تحقيق الشفاء بالعمل الجراحي منفردا لدى الأورام المرتشحة، مثل أورام الأوليات الدبقية ( glioblastomas ) أو الأورام النجمية مشوهة الخلايا ( anaplastic astrocytomas )، غير أن العمل الجراحي بالمقابل يساعد في تقليص حجم كتلة الورم مما يزيد من فاعلية العلاجين الإشعاعي و الكيماوي.

بالإضافة إلى ذلك يساعد العمل الجراحي في التخفيف من حدة بعض أعراض و تأثيرات أورام الدماغ، خصوصا الأعراض الناجمة عن ازدياد الضغط داخل الجمجمة، بما في ذلك الصداع، و الغثيان و التقيؤ، و اختلال النظر، كما أن الجراحات تساعد في تخفيف أعراض الصرع عند وجودها لدى المريض مما يمكن من السيطرة على النوبات بشكل أفضل بالمعالجات الدوائية.

 

 

 

 

      و من العمليات الجراحية المعتادة لدى بعض حـالات أورام الدمـاغ ما يُعرف بجـراحة منعطف السائل المُخّـي الشـوكي ( shunt surgery )، حيث يؤدي وجود أي انسداد أمام تدفق السائل المُخّي الشوكي إلى زيادة الضغط داخل الجمجمة، مما يؤدي بدوره إلى نشوء الكثير من الأعراض المذكورة آنفا، بل و قد يؤدى ذلك إلى حدوث تلف دائم بالدماغ، و بغية نزح السائل المُخّي المتجمع، يقوم جراح الأعصاب بتركيب وصلة مصنوعة من أنبوب لدن يعمل كتحويلة ( shunt ) يُزرع احد طرفيها بالبطين الدماغي الذي يحتوي على السائل المُخّي، و يتم تركيب طرفه الآخر بالتجويف البطـني عادة، أو بالقلب في بعض الأحيان، و يمر هذا الأنبـوب تحت الجـلد من الرأس مرورا بالرقـبة و الصدر، و يمكن استخدامه بشكل مؤقت أو يبقى بشكل دائم، و قد تُجرى مثل هذه العمليات قبل المباشرة بجراحات استئصال الأورام أو عقب انتهائها.

منعطف السائل المخي

 


 

العـلاج الإشعـاعي

      العلاج الإشعاعي هو علاج باستخدام التطبيقات المختلفة للإشعاع المؤين ( ionizing radiation )، لتدمير الخلايا السرطانية و تقليص الأورام، سواء باستخدام العناصر و النظائر المُشعّة، أو باستخدام دفق إشعاعي مُؤجّج و عالي الطاقة، من الأشعة السينية، أو أشعّة أخرى مثل أشعة جاما، أو دفق النيوترونات أو البروتونات، و تتركز فاعلية الإشعاع في مقدرته على تقويض و تفتيت الحمض النووي للخلايا الورمية، و هو المادة الحيوية و الأساسية لمختلف الوظائف الخلوية، مما يؤدي إلى القضاء عليها.

و يُعد العلاج الإشعاعي علاجا موضعياً، و هو ينقسم إلى نوعين؛ داخلي ( Internal )، حيث تُزرع العناصر المشعّة مباشرة داخل أنسجة الورم أو قريبا منها، سواء بشكل مؤقت أو بصفة دائمة، و إشعاع خارجي ( external )، حيث يُبث الإشعاع من آلة تُسلط الأشعّة المؤججة على مواضع الأورام، و قد يتم استخدام كلا النوعين لمعالجة بعض أنواع الأورام الصلبة، بينما يتم استخدام الإشعاع الخارجي فحسب لدى أورام الدماغ، ( و إن كان الإشعاع الداخلي، باستخدام أنابيب شعرية دقيقة لإيصال العناصر المشعة داخل كتلة الورم أو قريبا منها لا يزال تحت الدراسة )، و بطبيعة الحال، و تلافيا لآثار الإشعاع، يتم اتخاذ تدابير وقائية أثناء المعالجة الإشعاعية، لحماية الأنسجة و الأعضاء الطبيعية السليمة بحقل المعالجة، كما يحرص الأطباء على توجيه جرعات إشعاعية عالية نحو كتلة الورم مع تجنب أن تتعرض أنسجة الدماغ السليمة المحيطة بموضع الورم لكميات كبيرة من الإشعاع ما أمكن ذلك.

      و قد يتم استخدام العلاج الإشعاعي منفرداً، كعلاج وحيد، أو بصفة مشتركة مع علاجات الأورام الأخرى، و قد يُستخدم بديلاً عن الجراحة كعلاج أوليّ، عند بعض الأورام الصلبة، كما قد يُستخدم قبل المباشرة بالعمل الجراحي فيما يُعرف بالعلاج المبدئي المساعِد ( neoadjuvant therapy )، بُغية تقليص حجم الورم؛ لتسهيل استئصاله، أو يتم استخدامه عقب جراحات الاستئصال كعلاج مُضاف ( adjuvant therapy  )؛ بُغية القضاء على أية خلايا ورمية غير مميّزة قد تكون متبقية.

        و للعلاج الإشعاعي مضاعفات و آثار جانبية مُصاحِبة، ترتبط إجمالا بالموضع المعالج من الجسم، و تنجم بشكل عام عن تأثر الخلايا و الأنسجة سريعة النمو و الاستبدال، و من هذه التأثيرات: مضاعفات الجلد و البشرة، و الإعياء، و التهابات و جفاف الفم، و تساقط الشعر، و الغثيان، و المشاكل المعوية، و إحباط النخاع العظمي، و يتم اتخاذ بعض التدابير الوقائية و المُسانِدة، و تناول أدوية مُساعدة؛ لتجنب مثل هذه الآثار و للتخفيف من حدّتها، و من ناحية أخرى ثمة مضاعفات متأخرة تظهر على المدى الطويل، من أهمها مخاطر تطور أورام ثانوية ( و إن كانت بنسبة ضئيلة ) و تأخر النمـو البدني الطبيعي و تأخر التطور الإدراكي و المعـرفي، و تلافيا لمثل هذه المضاعفات المتأخرة على الأطفال الصغار جدا تحرص الخطط العلاجية لدى اغلب أنواع الأورام على تجنب استخدامه كلما أمكن ذلك.

و من المعتاد أن يتم تأجيل العلاج الإشعاعي لأورام الدماغ لدى الأطفال بسن تقل عن الثلاثة سنوات، تجنبا لنشوء المضاعفات المتأخرة على النمو الإدراكي، و قد تتم المباشرة بالعلاج الكيماوي، سواء لتأخير البدء بالعلاج الإشعاعي، أو لتخفيض جرعاته أو لتجنبه كلية، و ذلك حسب الحالة، و بطبيعة الحال ينبغي موازنة مثل هذا التأخير و خطورة المرض و احتمالات عودة النمو الورمي.

    و من جهة أخرى قد يتعرض الأطفال ممن تلقوا جرعات إشعاعية عالية و لمساحات واسعة من الرأس لتغيرات كبيرة بوظائف الدماغ، و تشمل الأعراض ظهور تغيرات بالشخصية و المزاج، و ضعف أو فقدان جزئي للذاكرة، و نوبات مرضية و بطء النمو البدني، و بعض الأعراض الأخرى حسب المواضع المعالجة من الدماغ، و قد يكون من الصعب أحيانا تحديد ما إن كانت مثل هذه الأعراض ناجمة عن الورم نفسه أو الجراحات أو العلاج الإشعاعي أو ناتجة عن مجمل هذه الأسباب.

بينما و تقليديا تتم المعالجة الإشعاعية لكامل الدماغ و الحبل الشوكي إن أظهرت فحوصات المرنان المغناطيسي أو البزل القطني وجود انتقال للورم على امتداد مسرى السائل المُخّي الشوكي و نحو الأسطح السحائية، و تُعرف مثل هذه المعالجة بالإشعاع الجمجمي الصُلبي ( craniospinal radiation )، و تستخدم خصوصا لدى بعض الأورام التي من المعتاد أن تنتقل إلى السائل المُخّي، مثل أورام الأوليات النخاعية و أورام الأدمة الظاهرة العصبية الأولية ( Primitive neuroectodermal ).

و تجدر الإشارة إلى أن الإشعاع المؤين ذو فاعلية أكبر ضد الخلايا سريعة النمو، و نتيجة لهذه الخاصية يؤثر بفاعلية على خلايا أورام الدماغ بالدرجات العليا أكثر من تأثيره على الأورام بالدرجات الدنيا، و على سبيل المثال يمكن تحقيق الشفاء بالعلاج الإشعاعي لدى أكثر من نصف حالات أورام الأوليات النخاعية، و تقريبا لدى جميع حالات الأورام الجرثمية ( germinomas ) بالخلايا التناسلية، و لسوء الحظ فانه من غير الممكن شفاء اغلب أورام الدماغ بالإشعاع، غير أنه بالمقابل يمكن السيطرة على الأورام أحيانا بالعلاج الإشعاعي عند وجود بقايا من النسيج الورمي عقب الجراحات، خصوصا لدى الأورام النجمية و أورام الخلايا الدبقية قليلة التغصن و أورام البطانة العصبية.

      و يجدر بالذكر أنه خلال فترات تتراوح بين أربعة إلى ثمانية أسابيع عقب دورات العلاج الإشعاعي للدماغ، ينشأ لدى بعض الأطفال ما يُعرف بظاهرة النوام المرتبط بالإشعاع ( radiation somnolence syndrome )، و التي يمكن تمييزها بوضوح من خلال كثرة النعاس، و الخمول الحركي ( lethargy )، و انخفاض مستويات النشاط و الطاقة، إضافة إلى فقد الشهية للطعام، و الحمى، و نوبات من حدة الطبع و سهولة الإثارة و التوتر العصبي، و عادة تنتهي هذه العوارض خلال بضعة أسابيع و قد يفيد أحيانا استخدام مركبات الكورتيزون في التلطيف منها، كما يجدر بالذكر انه لدى حوالي خمسة بالمئة من الحالات ينشأ عارض يعرف بالتنخّـر الإشعاعي ( radiation necrosis ) و ذلك عقب عدة اشهر أو سنوات من انتهاء المعالجات الإشعاعية لأورام الدماغ، و تنشأ عن تكون كتلة متضخمة من الأنسجة و الخلايا الميتة سواء المتسرطنة أو الطبيعية بحقل المعالجة، و بطبيعة الحال لا تُعد مثل هذه الكتلة بخطورة عودة النمو الورمي مجددا، و من المعتاد إزالتها جراحيا.

( يُرجى الانتقال لصفحة العلاج الإشعاعي للإطلاع على مزيد من التفاصيل حول هذا العلاج و طرق إدارته ).

 


 

 

 

 

العـلاج الكيمـاوي

 

      العلاج الكيماوي هو علاج باستخدام أدوية خاصة تُعرف بالعقاقير الكيماوية المضادة للسرطان، تقوم بالقضاء على الخلايا السرطانية و تدميرها، و ذلك بعرقلة و تقويض نسق العمليات الحيوية داخلها، و تأتي الميزة الرئيسية لهذا العلاج في مقدرته على معالجة الأورام المتنقلة و المنتشرة، بينما يقتصر العلاج الإشعاعي أو العمل الجراحي على معالجة الأورام المنحصرة بمواضع محدّدة، و فعّاليته المتميّزة تعود إلى حقيقة أن الخلايا السرطانية، بطريقة ما، هي أكثر حساسية و أشد تأثراً بالكيماويات من الخلايا الطبيعية. و قد يتم استخدامه كعلاج وحيد في بعض الحالات، أو جزء من برنـامج علاجي متكـامل يتضمن عدة علاجات مشتركة، و اتخاذ القرار باستخدام هذا العلاج، يتم بالموازنة ما بين فعّاليته و تأثيراته الجانبية و مضاعفاته المستقبلية، و بين خطورة السرطان، و بطبيعة الحال فمضاعفاته و آثاره مقبولة مقارنة بالمرض نفسه، إضافة إلى المردود العلاجي الإيجابي بدرجة كبيرة.

      و قد يُسمى العلاج الكيماوي علاجا جهازياً ( systemic )؛ نظراً لانتقال العقاقير الكيماوية عبر الدورة الدموية إلى كل أجزاء الجسم، و مقدرتها على تدمير الخلايا السرطانية حيثما تبلُغ، و قد يتم استخدامه قبل المباشرة بالجراحات عند الأورام الصلبة تحضيراً لها، و بُغية تسهيلها؛ بحصره و تقليصه للورم، بما يُعرف بالعلاج الكيماوي المبدئي المساعد ( Neoadjuvant )، كما قد يُستخدم عقب الجراحة و استئصال الورم؛ بهدف القضاء على أية خلايا ورمية غير ممّيزة قد تكون متبقية، و المساعدة في تجنّب عودة السرطان، بما يُعرف بالعلاج الكيماوي المُضاف ( adjuvant ).

و يتم تناول أدوية العلاج الكيماوي بطرق و قنوات مختلفة، فمنها ما يؤخذ عن ‏طريق الفم على هيئة أقراص أو كبسولات أو سوائل، و أغلبها تُحقن بالجسم، بطرق الحقن المختلفة: الحقن في الوريد، الحقن في العضل، ‏الحقن في شريان رئيسي أو الحقن موضعيا مباشرة تحت الجلد، و إن كان الحقن الوريدي هو أكثر الطرق استخداماً، و قد تُستخدم وسائل أخرى للمساعدة على الحقن مثل ‏ القسطرات ( catheters )، التي يتم زرعها عادة بالصدر و يمكن استخدامها لفترات طويلة، كما يتم حقن الأدوية مباشرة إلى السائل المُخّي الشوكي المُحيط بالحبل الشوكي و الدماغ، فيما يُعرف بالحقن الغِمدي، و يتم ذلك عادة بالحقن عبر الفقرات القَطَنية أسفل العمود الفقري، أو عبر أداة قسطرة خاصة تُزرع تحت فروة الرأس تُعرف بمحفظة أومايا ( Ommaya reservoir ).

        و تتكون البرامج العلاجية من عدة دورات متكررة تفصل بينها فترات نقاهة، و قد يتلقى المريض خلال كل دورة توليفة مشتركة من عدة أدوية كيماوية، أو يتم الاقتصار على عقار واحد، حسب نوع الورم و المخطط العلاجي المتبع عند كل حالة. و بصفة عامة يتم استخدام العلاج الكيماوي خلال فترات زمنية متطاولة لتخفيض كمّ الخلايا السرطانية بالتدريج، إلى الحدّ الذي يتمكن فيه نظام المناعة بالجسم من السيطرة على أي نمو ورمي، إضافة إلى أن الفسحة الزمنية ما بين الجرعات توضع بُغية تحقيق أكبر تأثير على الخلايا السرطانية، و بنفس الوقت إعطاء فترة كافية للسماح للخلايا و الأنسجة العادية كي تتعافى من مفعول العقاقير الكيماوية، إذ أن لأنواع العقاقير المختلفة تأثيرات بدرجات متفاوتة على الخلايا و الأعضاء الطبيعية السليمة، خصوصا الخلايا و الأنسجة سريعة النمو و غزيرة التكاثر و دائمة الاستبدال، مثل خلايا النخاع العظمي، و خلايا الدم، و خلايا و أنسجة الجهاز الهضمي، إضافة إلى بعض الأعضاء الحيوية مثل الكبد و الكليتين، مما يؤدي بدوره إلى حدوث المضاعفات الجانبية المُصاحبة، والتي تتفاوت في الشـدّة و النوعية من عقـار لآخر، و من شخص لآخر، و من دورة عـلاجية لأخرى حتى بالنسبة لنفس الشخص، و تعتمد أساساً على نـوع و جرعة العقار المُستخدم و تفاعل الجسم حياله، وهذه التأثيرات متعددة؛ و تشمل إحباط النخاع العظمي ( و بالتالي إنخفاض تعداد خلايا الدم )‏، و مضاعفات الفـم و اللثة  ( مثل الالتهابات و التقرح و الجفاف )، و تساقط الشعر المؤقت، و الإمسـاك و الإسـهال، و الإعيـاء و الغثيان و التقيؤ و فقدان الشهية، و تحسس الجلد و البشرة، و يتم عادة تناول أدوية مُساعدة و اتخاذ بعض التدابير الوقائية و المساندة؛ لتجنب مثل هذه التأثيرات و للوقاية منها و للتخفيف من حدّتها، قبل الدورات العلاجية و أثناءها و عقب انتهائها.

      و ثمة العديد من العقاقير الكيماوية المستخدمة في الخطط العلاجية لأورام الدماغ، سواء منفردة أو بتوليفات مشتركة، نذكر منها : عقار سايكلوفوسفامايد ( cyclophosphamide )، و سيسبلاتين ( cisplatin )، و فينكريستين ( vincristine )، و كاربوبلاتين
(
carboplatin  )، و ايتوبوسـايد ( etoposide )، و ميلفـالان (melphalan )، و تيوتيبا ( Thiotepa )، و عقار كارموستين 
(
Carmustine )، و لومستين ( Lomustine )

و تجدر الإشارة إلى أنه من المعتاد استخدام العلاج الكيماوي لدى أورام الدماغ بالدرجات العليا فحسب، و تُعد بعض أنواع هذه الأورام، مثل أورام الأوليات النخاعية أكثر استجابة للعقاقير الكيماوية من غيرها، و كما سلفت الإشارة قد يستخدم العلاج الكيماوي قبل المباشرة بالجراحات و العلاج الإشعاعي أو عقب الفراغ منهما، و من جهة أخرى و بخلاف المعالجات الإشعاعية يمكن إعطاء العقاقير الكيماوية للأطفال بجميع الأعمار و من هم بسن تقل عن الثالثة.

      و من جهة أخرى ثمة معالجات دوائية أخرى لا تُعد ضمن عقاقير العلاج الكيماوي و مستخدمة لدى أورام الدماغ، منها بعض المركبات مثيلة الستيرويدات، مثل عقار ديكساميتازون ( dexamethasone )، و التي تستخدم لتخفيف التضخم الناشيء حول معظم أورام الدماغ، مما يساعد في التخفيف من حدة الصداع و بعض الأعراض الأخرى، إضافة إلى العقاقير الخاصة بمعالجة النوبات المرضية، مثل عقار دايفينيل هيدنتون ( diphenylhydantoin ) و المعروف باسم ديلانتين ( Dilantin  ).

و يجدر بالذكر أن المعالجات بالإعاضة الهرمونية قد تصبح ضرورية عند نشوء تلف بالغدة النخامية أو الوطاء أو قربهما، مما ينجم عنه النقص بمعدلات بعض الهرمونات، سواء بتأثيرات الأورام بشكل مباشر أو بسبب من المعالجات الجراحية و الإشعاعية، و ذلك بغية تعويض و تصحيح العجز الهرموني بالجسم.

( يُرجى الانتقال إلى صفحة العلاج الكيماوي، للإطلاع على تفاصيل أكثر حول هذا العلاج و أساليب إدارته و مضاعفاته ).

  


 

 

 

حول الخطط العـلاجية حسب أنواع أورام الدمـاغ و الحبل الشوكي

 

الأورام النجـمية المرتشحة من الدرجة الدنيا ( Low-grade astrocytomas )

      من المتعذر شفاء مثل هذه الأورام بالعمل الجراحي منفردا، نظرا لإرتشاحها إلى أنسجة الدماغ السليمة، و بشكل عام تبدأ الخطط العلاجية بإزالة اكبر كم ممكن من نسيج الورم جراحيا و من ثم البدء بالعلاج الإشعاعي، غير أنه من المعتاد أن يتم الاكتفاء بالعمل الجراحي فحسب لدى الأورام من الدرجة الدنيا، و الترقب بانتظار أن تظهر علامات على عودة نمو الورم، و بالنسبة للأطفال ما دون سن الثالثة و في حالة تعذر إزالة الورم أو عاد للنمو ثانية عقب إزالته، توصي الخطط العلاجية القياسية بضرورة تأجيل العلاج الإشعاعي و البدء بالعلاج الكيماوي و لحين تقدمهم في العمر أكثر، بحيث يمكن استخدام المعالجات الإشعاعية، و بهذا الصدد تفيد الدراسات الطبية أن الإشعاع يؤثر بنفس الفاعلية على أنسجة الأورام النجمية سواء من الدرجات العليا أو الدنيا.

الأورام النجـمية المرتشحة من الدرجة العـليا ( High-grade astrocytomas )

    مثل أورام الأوليات الدبقية ( glioblastomas ) أو الأورام النجمية مشوهة الخلايا ( anaplastic astrocytomas ) و كما هو الحال مع الأورام بالدرجات الدنيا، من المتعذر شفاء هذه الأورام بالعمل الجراحي منفردا، و من المعتاد أن تبدأ الخطط العلاجية بالعمل الجراحي لإزالة أكثر ما يمكن من النسيج الورمي و من ثم البدء بالعلاج الإشعاعي يعقبه عادة العلاج الكيماوي، بينما لدى الأطفال ممن تقل أعمارهم عن الثلاث سنوات، يتم البدء بالعلاج الكيماوي مباشرة عقب الجراحة و لحين بلوغهم سن اكبر بما يسمح بتلقي المعالجات الإشعاعية.

الأورام النجمية غير المرتشحة

      و التي تشمل الأورام النجمية الشعرية اليافعة ( juvenile pilocytic astrocytomas ) و التي تنشأ غالبا بالمخيخ لدى الأطفال، و الأورام النجمية ضخمة الخلايا لما تحت البطانة ( subependymal giant cell astrocytomas ) و التي ترتبط في اغلب الأحوال بحالة التصلب الدرني الموروث ( tuberous sclerosis )، فهذه الأورام قابلة للشفاء بالعمل الجراحي منفردا لدى معظم الحالات، بينما يستدعي الأمر أحيانا تلقي المعالجات الإشعاعية عند تعذر الاستئصال الكامل للورم، و من جهة أخرى تزداد صعوبات تحقيق الشفاء التام عند تمركز الأورام النجمية الشعرية بمواضع دقيقة بحيث تتعذر إزالتها كليا بالجراحة، مثل تمركزها بالوطاء أو بجذع الدماغ.

أورام الخلايا الدبـقية قليلة التغـصن ( oligodendroglioma )

من المتعذر شفاء هذه الأورام المرتشحة بالعمل الجراحي منفردا، مع أن الجراحات تخفف من حدة الأعراض المصاحبة في اغلب الأحوال، و من المعتاد استخدام العلاج الكيماوي عقب العمل الجراحي أو العلاج الإشعاعي.

 

 

 

 

أورام البطـانة العـصبية ( Ependymoma )

      و منها أورام أوليات البطانة العصبية ( ependymoblastomas )، و التي كما سلفت الإشارة لا ترتشح في اغلب الأحوال كما تفعل الأورام النجمية، و يمكن معالجتها بالعمل الجراحي منفردا، و من المعتاد التوصية باستخدام العلاج الإشعاعي تلافيا لعودة النمو الورمي، و قد يتم استخدام العلاج الكيماوي لدى بعض الحالات خصوصا بأورام أوليات البطانة العصبية.

أورام المسرى البصـري الدبقية ( Optic nerve gliomas )

    و تُعد هذه الأورام على وجه الخصوص متعذرة الإزالة بالعمل الجراحي، حيث تقع بموضع غير متاح للجراحة و يصعب على الجراح الوصول إليه، كما أنها تتمركز بالأعصاب الموصلة إلى العين و قد يفقد الطفل بصره كلية عند إزالتها، و يفضل بالتالي المباشرة بالعلاج الإشعاعي على الرغم من تأثيراته على البصر بدوره، و بطبيعة الحال يتم استخدام العلاج الكيماوي بدلا من الإشعاع لدى الأطفال الصغار.

الأورام الدبـقية بجـذع الدمـاغ ( Brain stem gliomas )

      على غرار الأورام الدبقية بالعصب البصري، من غير الممكن إزالة الأورام الدبقية بجذع الدماغ ما لم تكن منحصرة كليا بمواضعها، غير أنها من المعتاد أن ترتشح عبر أنسجة جذع الدماغ، و نظرا لما لهذا الجزء من أهمية حيوية و أساسية لحياة الجسم، لا يمكن لجراح الأعصاب أن يزيل مثل هذه الأورام المرتشحة، و من المعتاد معالجتها بالعلاج الإشعاعي فحسب، و قد يضاف العلاج الكيماوي في بعض الأحيان.

الأورام الأوليّـة ( Primitive tumors )

      بما في ذلك أورام الأدمة الظاهرة العصبية الأولية ( Primitive neuroectodermal tumors ) بتفرعاتها، و أورام الأوليّـات النخـاعية ( Medulloblastomas ) و أورام أوليات الصنوبرية ( pineoblastomas )، و أورام الأوليّـات العـصبية
(
neuroblastomas )، فهذه الأنواع من الأورام السريعة النمو تتم معالجتها تقليديا بالعمل الجراحي تعقبه مباشرة المعالجات الإشعاعية، و التي تتم لكامل الدماغ و الحبل الشوكي و ليس لموضع الورم فحسب، حيث يظهر انتقال لهذه الأورام في اغلب الأحوال إلى السائل المُخّي الشوكي.

و من المعتاد استخدام العلاج الكيماوي إضافة إلى الإشعاع عند الحاجة لتخفيض الجرعات الإشعاعية، غير انه عند وجود انتقال متسع للخلايا السرطانية يتم إعطاء الجرعات القياسية من العلاج الإشعاعي في كل الأحوال، و بطبيعة الحال يتم استخدام العلاج الكيماوي بديلا عن المعالجات الإشعاعية عقب الجراحات لدى الأطفال ما دون الثالثة من العمر، و من جهة أخرى يتم استخدامه تقليديا لمعالجة الأورام الراجعة.

الأورام السحائية ( Meningiomas )

      من الممكن غالبا شفاء الأطفال المرضى بأورام أغشية السحايا عند التمكن من إزالة كامل النسيج الورمي جراحيا، و بالمقابل تتعذر إزالة الورم كليا بالجراحة لدى البعض خصوصا عند تموضع الورم بقاعدة الدماغ، أو عند عودة الأنواع المتسرطنة من هذه الأورام ثانية عقب إزالتها كليا في المعالجات الأولية، و من المعتاد استخدام العلاج الإشعاعي بغرض معالجة بقايا الأورام التي تتعذر إزالتها كليا بالجراحة، و بغرض منع نموها ثانية، كما يستخدم لدى عودة مثل هذه الأورام عقب الجراحات، و يجدر بالذكر أن العلاج الكيماوي أو المعالجات الهرمونية لازالت قيد البحث بالنسبة لهذه الأورام و لم تظهر نتائج فعالة.

أورام خلايا شفان ( Schwannomas )

      و هي كما سلفت الإشارة أورام حميدة في اغلب الأحوال و يمكن شفاؤها بالعمل الجراحي منفردا، بينما يستدعي الأمر بطبيعة الحال استخدام العلاج الإشعاعي لدى الأنواع المتسرطنة منها عقب الجراحات.

أورام الحبل الشـوكي

      تتم معالجة أورام الحبل الشوكي بنفس أنماط مثيلاتها بالدماغ، حيث يمكن معالجة الأورام السحائية بالعمل الجراحي منفردا، و كذلك الحال لدى بعض أورام البطانة العصبية بالحبل الشوكي، بينما عند تعذر إزالة أورام البطانة كليا بالجراحة يتم استخدام العلاج الإشعاعي بعدها مباشرة، و من جهة أخرى من المتعذر إزالة الأورام النجمية بالحبل الشوكي جراحيا بشكل تام، و يتم البدء بالمعالجات الإشعاعية عقب استخلاص الخزعات مباشرة.

  

 

 

 

أورام الضفائر المشيمية ( Choroid plexus tumors )

في اغلب الأحوال يمكن شفاء الأورام الحُليمية الحميدة ( choroid plexus papillomas ) بالعمل الجراحي منفردا، بينما يتعذر ذلك لدى العديد من حالات السرطان النسيجي للضفائر المشيمية ( choroid plexus carcinomas ) الخبيث، و الذي تتم معالجته عادة بالعلاج الإشعاعي أو الكيماوي أو بتوليفة مشتركة من كليهما.

الأورام القحفية البلعـمية ( craniopharyngiomas )

      و يمكن معالجة هذه الأورام لدى معظم الحالات بالعمل الجراحي يتبعه العلاج الإشعاعي، و تجدر الإشارة إلى أن إجراء جراحات محافظة بإزالة جزئية لهذه الأورام يعقبها العلاج الإشعاعي تسبب مضاعفات جانبية اقل من جراحات الاستئصال التام.

أورام الخـلايا التناسلية ( Germ cell tumors )

      من الممكن تحقيق معالجة فعالة باستخدام العلاج الإشعاعي منفردا لدى الأورام الجرثمية ( germinoma )، و هي الأكثر شيوعا ضمن أورام الخلايا التناسلية، بينما يتعذر ذلك بنفس الدرجة لدى الأنواع الأخرى سواء المختلطة مع الأورام الجرثمية أو المنفصلة، و التي تتم معالجتها عادة بتوليفات مشتركة من العلاجين الإشعاعي و الكيماوي، و قد يستدعي الأمر لدى بعض الأطفال استخدام المعالجات الإشعاعية للدماغ و الحبل الشوكي معا عند وجود انتقال لمثل هذه الأورام إلى السائل المُخّي الشوكي.


 

 

 

 

عقب انتهاء معالجات أورام الدماغ و الحبل الشوكي

 

      من الضروري إجراء فحوصات دورية شاملة تستمر لعدة سنوات عقب انتهاء المعالجات، بُغية تقصي أية علامات على عودة الورم، إضافة إلى مراقبة المضاعفات و التأثيرات الجانبية المختلفة للعلاجات المتلقاة، سواء الآنية أو المتأخرة و التي قد تظهر بعد سنوات ( يُرجى الانتقال لصفحة المضاعفات المتأخرة لعلاجات الأورام للإطلاع على تفاصيل أكثر )، و تشمل هذه الفحوصات إضافة إلى الفحص السريري الدوري، التحاليل المخبرية و الفحوصات التصويرية و الأشعات المختلفة، خصوصا لموضع نشأة الورم الأصلي، و يتم إجراؤها بجدولة زمنية معينة حسب الاعتبارات الخاصة بكل حالة على حدة، و الواقع أنه و بالنسبة لأغلب الأطفال فإن المعركة الحقيقية لاستعادة أوضاعهم البدنية و الذهنية الطبيعية تبدأ عقب انتهاء معالجات الأورام، و تجدر الإشارة إلى أن أنسجة الدمـاغ لدى الأطفال قادرة على التعـافي و التعويض بدرجة اكبر من البالغين، كما يمكن تبين مـدى الأضرار الناتجـة عن الأورام و مضاعفات العلاجات المتلقاة خلال وقت قصير عقب انتهاء المعالجات الأولية و تعافي الأطفال، و إن كان ذلك قد يتأخر قليلا لدى الأطفال الصغار بسن دون الثالثة، و ثمة العديد مما هو ضروري من الإجراءات الطبية و الفحوصات و المعالجات المهمة للمساعدة في تحقيق أفضل النتائج لاستعادة عافية هؤلاء الأطفال، و مساعدتهم على التقدم نحو الشفاء التام.

    و مبدئيا يتم إجراء مختلف الفحوصـات التصويرية عقب انتهاء المعالجات لتقصي مدى التغيرات بأنسجة الدمـاغ و مواضعها، و من ثم إجراؤها دوريا لتحري مدى عودة النمـو الورمي بالدرجة الأولى، و بنفس الوقت يتم عرض الطفل على أخصائيين بعدة مجالات لتقييم الحال و تقديم العلاجات اللازمة عند الضرورة، و بشكل عام يمكن تلخيص مثل هذه الإجراءات في النقاط التالية :

  • فحص الطفل من قبل أخصائي بالأعصـاب، لتقييم الوظائف العصبية و التوازن الحـركي، و مقدرة العضلات و مدى ضعفها، خصوصا إن عانى الطفل من أنواع الشلل أو الضعف العضلي، و من ناحية أخرى يتولى أخصائيون بالمعالجات الطبيعية و إعادة التأهيل فحص الطفل و تقديم المعالجات الملائمة.

  • قد يتم عرض الطفل على اختصاصي بمعالجة قدرات التحدث و الاتصال إن تضرر مركز التحدث و القدرات الكلامية و اللغوية بالدماغ، بُغية مساعدة الطفل على تحسين المقدرة على التخاطب و التواصل.

  • ينبغي بطبيعة الحال إجراء فحوصات للعيون و القدرات السمعية من قبل أخصائيي العيون و الأذن، و إن تم تحديد أية مضاعفات بالرؤية أو السمع، فقد يستدعي الأمر إدراج الطفل بالفصول التعليمية و العلاجية الخاصة بالمشكلات البصرية و السمعية، لإعادة تأهيله.

  • من المعتاد فحص الطفل من قبل أخصائي بالأمراض النفسية و العصبية عقب التشخيص و قبل المباشرة بمعالجات الأورام بطيئة النمو، لتقييم مدى الأضرار الناجمة عن تأثيرات هذه الأورام، و تستمر مثل هذه الفحوصات دوريا أثناء المعالجات و عقب انتهائها، ( عقب إجراء الجراحات و عقب تلقي أي من العلاجين الإشعاعي و الكيماوي )، و أيضا عقب تعافي الطفل و استقرار الحال، ( عادة عقب مرور ثلاثة إلى أربعة اشهر )، و يقوم الطبيب النفسي خلال هذه الفحوصات بتقييم تطور الطفل الإدراكي و المعـرفي و نمـوه من عدة نواحي، مثل القدرات الذهنية و الذكاء العام و سرعة معـالجة المعلومات، و قدرات السمع و التخـاطب، و الذاكرة و مهارات التعلم، و بطبيعة الحال ينبغي إجراء هذه الفحوصات قبل التحاق الطفل بالمدرسة، حيث يلزم التنسيق بين المدرسين و أخصائيي العمل الاجتماعي و بين الفريق الطبي المعالج للإطلاع على ظروف الطفل الصحية دوريا و للمساعدة في توفير المناخ التعليمي الملائم لحالته.

  • ثمة دائما احتمال حدوث عجز و نقص بالإفراز الهرموني للغدة النخامية عند نشوء أورام بقاعدة الدماغ، أو عند تلقي المعالجات الإشعاعية بهذا الموضع، و لدى بعض الحالات قد يظهر مثل هذا العجز بشكل واضح نتيجة النمو الورمي عند التشخيص، مما يستدعي فحص الطفل من قبل أخصائي بالغدد الصماء قبل البدء بالمعالجات، و تقليديا يتم إجراء فحوصات وظائف الغدد الصماء عقب مرور ستة اشهر من انتهاء المعالجات الإشعاعية، بغية تقييم مدى العجز الهرموني، و متابعة وتيرة النمو الطبيعي، و مشاكل البلوغ سواء المبكر أو المتأخر، و تجدر الإشارة إلى وجود أعـراض أخرى تظهر عند تضرر الغـدة النخامية، مثل الإعيـاء المستمر و الهمود، و ضعف الشهية، و الشعور الدائم بالبرد، و الإمساك، و التي قد تشير جميعها إلى انخفاض مستويات بعض الهرمونات، مثل الهرمون الدرقي أو الهرمونات الكظرية، و بطبيعة الحال قد يستلزم الأمر تلقي معالجات الإعاضة الهرمونية لموازنة العجز و النقص بالإفراز الهرموني.  

      و غني عن القول أنه من المهم جدا في كل الأحوال أن يتم إخطار الفريق الطبي في الحال عند ظهور أية أعراض أو مضاعفات جديدة، و التي قد تدل على حدوث انتكاس و عودة النمو الورمي، أو تشير إلى وجود مضاعفات و تأثيرات جانبية للعلاجات المتلقاة، كي يتسنى اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة بشكل مبكر.


المراجع :

 

 

 

 

  • PDQ database. Bethesda, Md. National Cancer Institute, USA ; Brain Tumors. 2006.  http://www.cancer.gov/cancertopics/treatment/childhoodcancers

  • National Brain Tumor Foundation, USA, The essential guide to brain tumors. http://www.braintumor.org/NBTFPublications/

  • Prados M, Pan Edward. Neoplasms of the Central Nervous System In: Kufe DW, Pollock RE, Weischselbaum RR, Bast RC, Gansler TS, Holland JF, Frei E, eds. Cancer Medicine. 6th ed. Hamilton, Ontario: American Cancer Society and BC Decker Inc.; 2003

  • DeAngelis LM, Posner JB. Cancer of the Central Nervous System and Pituitary Gland. In: RE Lenhard, Jr, RT Osteen, T Gansler, eds. Clinical Oncology. Atlanta, Ga: The American Cancer Society; 2001. 653 -703.

  • Levin VA, Leibel SA, Gutin PH. Neoplasms of the Central Nervous System. In: VT DeVita, S Heilman, SA Rosenberg, eds. Cancer: Principles and Practice of Oncology, 6th Edition. Philadelphia, Pa: Lippincott- Williams & Wilkins ; 2001.

 

آخر مراجعة : 17-02-2016 - بدون تعديل

 

( اللهم ربّ الناس، أذهب البأس، أشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءاً لا يُغادر سقماً )

 

الرئيسية حول سرطان الطفولة أنواع الأورام معالجات السرطان العناية الداعمة

 

مقالات الموقع متاحة للطبع أو النشر بدون تقييد

Adam Childhood Cancer Society