Adam Childhood Cancer Society

حول سرطان الطفولة حول أنواع الأورام معالجات السرطان العناية الداعمة المنتدى الرئيسية

ننشر بهذا القسم مساهمات و مشاركات أصدقاء الجمعية حول مختلف المواضيع


 

التعايش الاجتماعي مع السرطان مقدمة لمواجهته

بقلم الأستاذ : يحي أبو شريف - أبو ماهر

مركز ماهر للأطفال - القـدس


 

     

      مضى عامان كاملان و نصف العام على وفاة ولدنا، ماهر، جراء إصابته بمرض السرطان، و قبلهما عام آخر حين اكتشفنا مرض السرطان لديه، و حتى اليوم لا تزال والدتي، أطال الله في عمرها،  ترتعد و ترتعش لمجرد لفظ اسم المرض أمامها و تبدأ في التعوذ و البسملة و قراءة آيات من القرآن الكريم، داعية كف شر المرض اللعين و راجية منا التوقف عن التحدث عن الشر الذي يجب أن يظل بعيدا .

      ليست والدتي، و هي في السبعينيات، الوحيدة التي ترتعد خوفا و ذعراً من مجرد سماع اسم مرض السرطان ( و ليس نطقه على لسانها )، فقبل فترة وجيزة تجنبت أمهات طلبة إحدى المدارس بضواحي القدس مجرد الدخول إلى الغرفة المخصصة للتوعية و تقديم المعلومات و النشرات حول مرض السرطان، و التي كنت أقوم عليها بالتعاون مع بعض المتطوعين، و كان هذا الخوف، بل الرعب الاجتماعي من اسم المرض سببا رئيسيا في إطلاق اسم ولدنا المرحوم على مركزنا ( مركز ماهر للأطفال ) الذي تشكل أوائل هذا العام في مدينة بيت لحم، دون ذكر للسرطان، تجنبا لنفور الأهالي و تسهيلا لتقبل العائلات الجديدة القادمة إلى المستشفيات لمتطوعي المركز.

  و لعلنا جميعا نلاحظ في نشرات و إعلانات النعي التي تنشر في الصحف و وسائل الإعلام في عالمنا العربي كيف يتجنب الناعون ذكر اسم السرطان كمسبب للوفاة، و يغلب استخدام عبارة " بسبب مرض عضال " أو " بعد صراع طويل مع المرض "، بل إن الناس في أحاديثهم العادية يتجنبون ذكر المرض كلفظ و يشيرون إليه غالبا بتعبير " الخبيث " أو بتعبير الغائب كأن يقولون " عاد إليه بعد توقف العلاج " أو " انتشر في جسمه " خصوصا إن تحدثوا قرب مريض ما.

  غير أن هذا يهون أمام حقيقة استسلام بعض المرضى أو ذويهم للمرض لدرجة رفض المعالجة ، بل و رفض  التوجه إلى المستشفى، و قد كنت شاهدا و طرفا في حالتين على الأقل، آخرهما يوم الخميس الفائت، عندما رفض والد فتاة في العشرين من عمرها بدء إجراءات العلاج لابنته في المستشفى، بعد التأكد من إصابتها بالسرطان، و لم تفلح  جهود مركزنا و جهود الأطباء و الممرضين مجتمعة في إقناع والدي الفتاة و عمها و مرافقين آخرين بالبقاء في المستشفى، و كنت أرى هاجس الموت في عيون والد الفتاة  و هو يردد عبارة  " أريد أن تكون بين إخوانها " !!

    و الحقيقة الغريبة أن الناس يتبادلون أنباء وفاة هذا الشخص أو ذاك جراء معاناته من مرض السرطـان، و يصفون حالة البعض و ألمه الفظيع قبيل وفاته، و لكنهم لا يتناقلون أنباء شفاء هذه و ذاك من المرض، و هو ما يجب أن نسعى له جميعا، إننا نجد الفرحة و التفاؤل في عيون ذوي المريض عندما نقدم لهم أشخاصا نجوا من المرض، و يجد مركزنا الكثير من المساندة المعنوية و التقدير و الرغبة في المساعدة حين نقدم معلومات و إحصاءات عن نسب النجاة و حين نقدم المساندة المعنوية للمرضى و عائلاتهم.

 

 

 

      و حتى لا نظلم أنفسنا نشير إلى أن الرعب من المرض و اسمه لا يقتصر على مجتمعاتنا و شعوبنا العربية فقط، بل انه "خوف" عالمي، و إن كان بأشكال و درجات متفاوتة، ففي اليوم التالي كادت الدموع تقفز من عيني " نانسي" الأميركية و هي تحدثني عن والدتها التي أخفت عنها و عن عائلتها حقيقة إصابتها بالسرطان و تقول " لقد كنت وقتها ممرضة في قسم السرطان و كان بامكاني تقديم مساعدة حاسمة " ، و خلال زياراتنا للمستشفيات و من خلال الإحتكاك بالأهالي مباشرة أو عبر الإتصالات و وسائل الإعلام رأينا و سمعنا و قرأنا عن حالات الرعب و الخوف الإجتماعي العالمي من هذا المرض الخطير و الشرس، و لكن القابل للعلاج، و لذلك فان حكومات و مؤسسات أهلية عالمية تعمل على نشر الوعي الاجتماعي حول المرض، و ان كان دون نجاح كامل و قد سمعنا أن عددا من المدرسين الإنجليز لم يكونوا مثلا على معرفة بان مرض السرطان غير مُعد، مما دفع المعنيين إلى إطلاق حملة توعية في المدارس، العام الماضي، في أنحاء بريطانيا، و لا يختلف الأمر في بلادنا عما هو عليه الحال على المستوى العالمي، إن لم نكن في المراتب الدنيا، في مجال الوعي بمرض السرطان.

    لقد أدركت الدول المتطورة طبياً أن العلاج الدوائي لمرض السرطان لا يكفي لوحده، في شفاء المريض، و ذلك لخصوصيات المرض و تأثيره على جميع أفراد عائلة المريض و طول فترات المعالجات و تنوعها، و غيرها من الخصوصيات التي ينفرد بها السرطان دون سواه من الأمراض، و من هنا فان فريق العلاج يشمل، في المستشفيات المتطورة، أخصائيين اجتماعيين يرافقون المريض و عائلته طوال فترة علاجه في المستشفى، فيما تقوم مجموعات و هيئات أهلية غير ربحية بتقديم مساندة إضافية للمريض و للعائلة داخل وخارج المستشفى. و تشمل هذه المساندة عددا غير محدد من الفعاليات و النشاطات الترفيهية و الثقافية و التعليمية و مرورا بالتوعية المجتمعية و انتهاء بتمويل الأبحاث و الدراسات حول المرض و تزويد المستشفيات بالأجهزة و المعدات ، و تقديم المعونات للعائلة كل حسب توجهاته، فمثلا تختص جمعيات بنقل المرضى من و إلى المصحات، و تقوم كبريات شركات الأدوية بتقديم منتجاتها المتعلقة بالسرطان مجانا لمن لا يملكون تأمينا اجتماعيا، و تقوم جمعيات أخرى بتقديم دعم مالي شهري، دون أن ننسى حملات جمع التبرعات سواء للجمعيات الأهلية أو لمرضى بعينهم،  كل ذلك بهدف مساندة المريض و عائلته لمواجهة أفضل للمرض و لنشر الوعي المجتمعي حتى يكون أفراده، المعرضين للإصابة بالمرض و بشكل آخذ بالازدياد و التسارع، محصنين سلفاً و مهيأين للمواجهة.

 

الحقيقة كـافية

      و حتى لا يساء فهمنا، فليس المقصود تجميل السرطان أو التقليل من شأنه و خطورته و طمأنة الجمهور و الأهالي بأحلام وردية عنه، بل المقصود هو تقديم الحقيقة و المعلومات الأكثر حداثة و قربا إلى الواقع، تمهيدا و مقدمة ضرورية لمواجهته و التحصن ضده اجتماعيا، و تسخير أقصى ما نستطيعه في سبيل التقليل من أثاره على طريق التخلص منه.

    و لسنا نضيف جديدا حين نشير إلى أن السرطان يتسارع في الانتشار و ترتفع معدلات ضحاياه يوما عن يوم، و بالرغم من عدم توفر مصادر معلومات دقيقة، بين يدي، على المستوى العربي حول المرض، لكن نظرة إلى إحصاءات مجاورة قد تساعدنا على معرفة حجم ما يعانيه مجتمعنا من المرض، و لنأخذ المجتمع الإسرائيلي كمثال، فحسب معطيات جمعية مكافحة السرطان في إسرائيل فقد بلغ مجموع عدد المصابين بمرض السرطان في العام 2001 نحو 100 ألف شخص، بمراحل متفاوتة من المرض و العلاج، و في النشرة الأخيرة الخاصة بالجمعية، جاء على لسان رئيستها أن أكثر من 20 ألف حالة إصابة بالسرطان تحدث في إسرائيل، سنويا، و إن الدلائل تشير إلى ارتفاع هذا الرقم في السنوات المقبلة، و هذه بلا شك أرقام مرعبة لعدد سكان يقل عن ستة ملايين.

  و باعتبار أننا نعيش في ظروف متشابهة، و ربما أكثر سوءا، فان من غير المبالغ فيه الاستنتاج أن أكثر من 10 ألاف مواطن فلسطيني في الضفة و القطاع يضافون سنويا إلى إحصاءات مرضى السرطان، و استنتج، و بحذر، أن أعدادا مرعبة من المصابين في عالمنا العربي و الإسلامي مصابة بالمرض، و أن هذه الأعداد آخذة في الإزدياد.

  لقد عرفت الإنسانية، و سوف تعرف لاحقا، أمراضا فتاكة كثيرة قضت على مئات الآلاف، و حتى الملايين، من البشر في أوقات قصيرة، و مع ذلك فان التعرف إلى أمراض الطاعون و الملاريا و السل و غيرها كان المقدمة الأولى لمواجهة هذه الأمراض و التغلب عليها.

   هذا لا يعني أن نتحول كلنا إلى أطباء و اختصاصيين في المرض و معالجته، لكنه يعني معرفة و نشر المعلومات الأساسية، الواضحة و الصادقة، إلى أوسع فئات المجتمع، إن الكثير من المواطنين، و هذا حقهم، يخفون حقيقة إصابة احد أفراد العائلة بالسرطان، و الكثير يعتقد، خاطئا أيضا، أن مرض السرطان معد، و فوق ذلك فان السرطان، في وعينا الاجتماعي مرتبط بالمعاناة و العذاب الطويلين لينتهي بالموت، و هنا بيت القصيد.

  

 

 

 

معـلومات و أرقـام

    في السنوات و العقود الماضية ارتفعت نسبة الناجين من مرض السرطان بشكل مذهل، فبعد أن كانت تقل عن 20 % في أوائل القرن الماضي، وصلت في بدايات هذا القرن إلى نحو 70 % على المستوى العالمي، و هذه النسبة أكثر ارتفاعا الآن لدى الأطفال الذين ينجون من مرض السرطان، حيث تصل في الدول المتطورة إلى 80 % و في بعض أنواع المرض إلى أكثر من 90 %.

  و بطبيعة الحال فان نسبة الناجين تزداد مع التقدم الطبي و السرعة في اكتشاف المرض في بداياته و قبل انتشاره في أجزاء الجسم، و هنا أيضا يوجد دور حاسم للوعي الاجتماعي، و بشكل خاص تجاه سرطانات الثدي و الجلد و الأمعاء الغليظة و ربما الرئتين أيضا، في حالة ارتفاع الوعي لدى الجمهور و التوقف عن التدخين.

  أيضا فان سرعة و سهولة الاتصال و تكنولوجيا المعلومات حولت العالم إلى قرية صغيرة بحيث يمكن الحصول على أحدث المعلومات عن وسائل و أنواع العلاجات من أقصى الأرض إلى أقصاها. و بات تعبير " بروتوكول العلاج " معروفا و في متناول الجميع تقريبا لعلاج الأنواع المختلفة من أمراض السرطان (  دون التطرق إلى الوسائط التي يتم من خلالها تقديم العلاج، و مستوى الخدمات المرافقة لها، فهذا شأن أخر ).

    إنها مسؤولياتنا جميعا دول و حكومات و هيئات و جمعيات و أشخاص ، أن نتعاون جميعا لنرفع لواء المساندة لمرضى السرطان و عائلاتهم، و الانفتاح إلى المعرفة و الحقيقة، على مرارتها أحيانا، و الاستعداد للمواجهة التي لابد منها، فهكذا نكرم ضحايا السرطان و نخفف عن ضحاياه الحاليين و اللاحقين، و هكذا نرفع رؤوسنا من الرمال و نستطيع السير إلى الأمام.

القدس ، 11 - 04 - 2004

 


 

 

 

الرئيسية حول سرطان الطفولة أنواع الأورام التعامل مع السرطان معالجات السرطان العناية الداعمة المنتدى

 

© حقوق النشر محفوظة لجمعية آدم لسرطان الطفولة  2010 

Adam Childhood Cancer Society