و حتى لا نظلم أنفسنا نشير إلى أن الرعب من المرض و اسمه لا يقتصر على
مجتمعاتنا و شعوبنا العربية فقط، بل انه "خوف" عالمي، و إن كان بأشكال و
درجات متفاوتة، ففي اليوم التالي كادت الدموع تقفز من عيني "
نانسي" الأميركية و هي تحدثني عن والدتها التي أخفت عنها و عن عائلتها حقيقة
إصابتها بالسرطان و تقول " لقد كنت وقتها ممرضة في قسم السرطان و كان بامكاني
تقديم مساعدة حاسمة " ، و خلال زياراتنا للمستشفيات و من خلال الإحتكاك
بالأهالي مباشرة أو عبر الإتصالات و وسائل الإعلام رأينا و سمعنا و قرأنا عن
حالات الرعب و الخوف الإجتماعي العالمي من هذا المرض الخطير و الشرس، و لكن
القابل للعلاج، و لذلك فان حكومات و مؤسسات أهلية عالمية تعمل على نشر الوعي
الاجتماعي حول المرض، و ان كان دون نجاح كامل و قد سمعنا أن عددا من المدرسين
الإنجليز لم يكونوا مثلا على معرفة بان مرض السرطان غير مُعد، مما دفع
المعنيين إلى إطلاق حملة توعية في المدارس، العام الماضي، في أنحاء بريطانيا،
و لا يختلف الأمر في بلادنا عما هو عليه الحال على المستوى العالمي، إن لم
نكن في المراتب الدنيا، في مجال الوعي بمرض السرطان.
لقد أدركت الدول المتطورة طبياً أن العلاج الدوائي لمرض السرطان لا يكفي
لوحده، في شفاء المريض، و ذلك لخصوصيات المرض و تأثيره على جميع أفراد عائلة
المريض و طول فترات المعالجات و تنوعها، و غيرها من الخصوصيات التي ينفرد بها
السرطان دون سواه من الأمراض، و من هنا فان فريق العلاج يشمل، في المستشفيات
المتطورة، أخصائيين اجتماعيين يرافقون المريض و عائلته طوال فترة علاجه في
المستشفى، فيما تقوم مجموعات و هيئات أهلية غير ربحية بتقديم مساندة إضافية
للمريض و للعائلة داخل وخارج المستشفى. و تشمل هذه المساندة عددا غير محدد من
الفعاليات و النشاطات الترفيهية و الثقافية و التعليمية و مرورا بالتوعية
المجتمعية و انتهاء بتمويل الأبحاث و الدراسات حول المرض و تزويد المستشفيات
بالأجهزة و المعدات ، و تقديم المعونات للعائلة كل حسب توجهاته، فمثلا تختص
جمعيات بنقل المرضى من و إلى المصحات، و تقوم كبريات شركات الأدوية بتقديم
منتجاتها المتعلقة بالسرطان مجانا لمن لا يملكون تأمينا اجتماعيا، و تقوم
جمعيات أخرى بتقديم دعم مالي شهري، دون أن ننسى حملات جمع التبرعات سواء
للجمعيات الأهلية أو لمرضى بعينهم، كل ذلك بهدف مساندة المريض و عائلته
لمواجهة أفضل للمرض و لنشر الوعي المجتمعي حتى يكون أفراده، المعرضين للإصابة
بالمرض و بشكل آخذ بالازدياد و التسارع، محصنين سلفاً و مهيأين للمواجهة.
الحقيقة كـافية
و حتى لا يساء فهمنا، فليس المقصود تجميل السرطان أو التقليل من شأنه و
خطورته و طمأنة الجمهور و الأهالي بأحلام وردية عنه، بل المقصود هو تقديم
الحقيقة و المعلومات الأكثر حداثة و قربا إلى الواقع، تمهيدا و مقدمة ضرورية
لمواجهته و التحصن ضده اجتماعيا، و تسخير أقصى ما نستطيعه في سبيل التقليل من
أثاره على طريق التخلص منه.
و لسنا نضيف جديدا حين نشير إلى أن السرطان يتسارع في الانتشار و ترتفع
معدلات ضحاياه يوما عن يوم، و بالرغم من عدم توفر مصادر معلومات دقيقة، بين
يدي، على المستوى العربي حول المرض، لكن نظرة إلى إحصاءات مجاورة قد تساعدنا
على معرفة حجم ما يعانيه مجتمعنا من المرض، و لنأخذ المجتمع الإسرائيلي
كمثال، فحسب معطيات جمعية مكافحة السرطان في إسرائيل فقد بلغ مجموع عدد
المصابين بمرض السرطان في العام
2001
نحو
100
ألف شخص، بمراحل متفاوتة من المرض و العلاج، و في النشرة الأخيرة الخاصة
بالجمعية، جاء على لسان رئيستها أن أكثر من
20
ألف حالة إصابة بالسرطان تحدث في إسرائيل، سنويا، و إن الدلائل تشير إلى
ارتفاع هذا الرقم في السنوات المقبلة، و هذه بلا شك أرقام مرعبة لعدد سكان
يقل عن ستة ملايين.
و باعتبار أننا نعيش في ظروف متشابهة، و ربما أكثر سوءا، فان من غير المبالغ
فيه الاستنتاج أن أكثر من
10
ألاف مواطن فلسطيني في الضفة و القطاع يضافون سنويا إلى إحصاءات مرضى
السرطان، و استنتج، و بحذر، أن أعدادا مرعبة من المصابين في عالمنا العربي و
الإسلامي مصابة بالمرض، و أن هذه الأعداد آخذة في الإزدياد.
لقد عرفت الإنسانية، و سوف تعرف لاحقا، أمراضا فتاكة كثيرة قضت على مئات
الآلاف، و حتى الملايين، من البشر في أوقات قصيرة، و مع ذلك فان التعرف إلى
أمراض الطاعون و الملاريا و السل و غيرها كان المقدمة الأولى لمواجهة هذه
الأمراض و التغلب عليها.
هذا لا يعني أن نتحول كلنا إلى أطباء و اختصاصيين في المرض و معالجته، لكنه
يعني معرفة و نشر المعلومات الأساسية، الواضحة و الصادقة، إلى أوسع فئات
المجتمع، إن الكثير من المواطنين، و هذا حقهم، يخفون حقيقة إصابة احد أفراد
العائلة بالسرطان، و الكثير يعتقد، خاطئا أيضا، أن مرض السرطان معد، و فوق
ذلك فان السرطان، في وعينا الاجتماعي مرتبط بالمعاناة و العذاب الطويلين
لينتهي بالموت، و هنا بيت القصيد.
|